الثانية: لو أقسما ثم ظهر البعض مستحقاً

الثانية

(إذا أقتسما ثم ظهر البعض مستحقاً)

قال المحقق قدّس سرّه: «إذا اقتسما ثم ظهر البعض مستحقا، فإن كان معيناً مع أحدهما بطلت القسمة، ولو كان فيهما بالسوية لم تبطل ط ولو كان فيهما لا بالسويّة بطلت…»(1).
أقول: قال الشيخ قدّس سرّه في (المبسوط): «إذا كانت يدهما على ضيعة ثلاثين جريباً فاقتسماها نصفين، فبان ثلثها مستحقاً، فإن المستحق يتسلم حقّه، وأما القسمة فلا يخلو المستحق من أحد أمرين، إما أن يكون معيناً أو مشاعاً، فإن كان معيناً نظرت فإن حصل في سهم أحدهما بطلت القسمة، لأن الإشاعة عادت إلى حق شريكه، وذلك أن القسمة تراد لإفراز حقه عن حق شريكه، فإذا كان بعض ما حصل له مستحقاً كان حقه باقياً في حق شريكه، فأما إن وقع المستحق في نصيبهما معاً نظرت، فإن وقع منه مع أحدهما أكثر مما وقع مع الآخر، بطلت القسمة أيضاً لما مضى، وإن كان فيهما سواء من غير فضل أخذ المستحق حقه وينصرف، وكانت القسمة في قدر الملك الصحيح صحيحة، لأن القسمة إفراز الحق وقد أفرز كلّ واحد منهما حقّه عن حق شريكه، هذا إذا كان المستحق معيّناً، وأمّا إن كان مشاعاً…»(2).
فنقول: إذا اقتسم المتقاسمان المال بينهما، ثم ظهر كون بعض المال مستحّقاً لغيرهما، فتارة: يكون المال المستحق للثالث معيّناً، وأخرى: يكون مشاعاً، فإن كان معيّناً فهنا صور:
الاُولى: أن يكون المال المستحق مع أحدهما دون الآخر، فهنا تبطل القسمة بلا إشكال ولا خلاف، لبقاء الشركة حينئذ في النصيب الآخر، لعدم تحقق التعديل بين النصيبين.
والثانية: أن يكون المال المستحق في مال المتقاسمين كليهما بالسويّة، وهنا لا تبطل القسمة بلا خلاف ولا إشكال، لأن الغرض من القسمة ـ وهو إفراز كلّ واحد من الحقّين عن الآخر ـ حاصل، فالقدر المسلّم به زوال الشركة الكائنة بينهما بهذه القسمة، وأما كون الثالث شريكاً مع كلً واحد، فهذا فيه بحث سيأتي. وما عن بعض العامّة من احتمال بطلان القسمة هنا لتبعض الصفقة، ضعيف، لأنه مبني على أن القسمة بيع، وقد تقدّم أنها معاملة مستقلة وليست ببيع.
والثالثة: أن يكون المال المستحق فيهما لا بالسويّة، ففي هذه الصورة تبطل القسمة، لعدم تحقق الشرط في القسمة وهو التعديل بعد إخراج سهم الثالث. وحيث يتحقق التعديل فيحكم بصحة القسمة، كما في الصورة الثانية، فلا حاجة إلى تقييد ذلك بما إذا لم يحدث نقص في حصّة أحدهما بأخذ المال المستحق، ولم يظهر به تفاوت بين الحصّتين، مثل أن يسدّ طريقه أو مجرى مائه أو ضوئه، لوضوح بطلان القسمة حينئذ، لعدم تحقق التعديل.
وكذا الأمر لو ظهر في نصيب أحدهما عيب، وقيل هنا بعدم البطلان بل هو مخيّر بين أخذ الأرش والفسخ بالإقالة. وفيه: إن أدلّة الإقالة لا تأتي في القسمة، لأنها ليست ببيع كما تقدّم(3).
وكذا لا يأتي في القسمة خيار الغبن لما ذكرنا.
ولما ذكرنا أيضاً: لا حرمة لما يحدثه أحدهما فيما بيده من بناء ونحوه لو ظهر الاستحقاق ـ بخلاف البيع، فإن ذلك له حرمة لو أرادا الفسخ ـ فيكون نظير ما إذا بنى داراً على أرض ظانّاً بأنها ملكه فبانت لغيره، فلا يستحق شيئاً على صاحب الأرض ـ إلا إذا كان مغروراً فإنه يرجع على من غرّه ـ نعم له نقل الأعيان التي تكون له مع الإمكان، وكذا لو استعار كتاباً ثم صحّحه ظانّاً بأن ملكه، فليس له مطالبة أجرة في مقابل عمله من مالكه.
نعم، لو كان الحاكم هو السبب في الضرر، أمكن القول بكون الضرر على بيت المال.
هذا كلّه إن كان المستحّق معيناً.
قال المحقق قدّس سرّه: «وإن كان المستحق مشاعاً معهما، فللشيخ قولان(4):
أحدهما: لا تبطل فيما زاد عن المستحق، والثاني: تبطل، لأنها وقعت من دون إذن الشريك، وهو الأشبه»(5).
أقول: لو ظهر كون ثلث الأرض مستحقاً لغيرهما، فإن كان مع سهم كلا الطرفين، شارك كلا منهما فيما وصل إليه بالإشاعة، فالقسمة بين المقتسمين متحققة وليس الكلّ شركاء في الكلّ، لكن شركة الثالث معهما يتوقّف على الإذن، وحينئذ فهل يؤثّر رضاه بعد تلك القسمة التي أدّت إلى هذه الشركة فضولة؟ الظاهر ذلك، كما إذا كان أخوان شريكين في مال فمات أحدهما، فقسّم المال بين الباقي منهما وابن الميت، ثم ظهر للولد أخ، فإنه يشترك مع أخيه في النصف مشاعاً، ويستقل عمّهما بالنصف الآخر، فإذا حضر الأخ وأجاز القسمة هذه صحّت، وفيما نحن فيه، إذا أجاز المستحق كان شريكاً معهما، بمعنى انحلال الشركة الاولى وحدوث شركة جديدة، فيكون نظير ما إذا قسّم المال المشترك بين أربعة إلى قسمين يشترك كلّ اثنين منهما في قسم.
وكما لو كان عبدان مشتركين بين اثنين بالتناصف، وكان أحدهما يسوى عشرين ديناراً، والآخر يسوى عشرة دنانير، فلو طالب أحدهما الاستقلال في تملّك الرخيص منهما جاز، فيكون الرخيص مع ربع النفيس لهذا، وتبقى ثلاثة أرباع النفيس للآخر، فقد تبدّلت شركتهما بهذه القسمة إلى نحو آخر من الشركة، ولما ذكرنا قال في (الجواهر)(6): ربما ظهر من تعليل المصنّف وغيره الصحّة مع الإذن، على أن تكون حصته مشاعة معهما، وحينئذ فلحوقها كاف.
وبالجملة: إذا أمضى يكون شريكاً مع كلّ واحد فيما بيده بالنصف مشاعاً في الفرض المذكور أوّلاً، وهذا كلّه فيما إذا كان التقسيم بالتعديل، وإلا بطلت القسمة.
ولو كان في سهم أحدهما حيوان مثلاً، فتلف، فإن كانت القسمة صحيحة فهو في ملكه، وإن كانت باطلة ثبت الضمان، سواء كان التلف بسببه أو بسبب غيره، لأن المأخوذ بالقسمة الباطلة حكمه حكم المأخوذ بالعقد الفاسد.

(1) شرائع الإسلام 4 : 105.
(2) المبسوط في فقه الإمامية 8 : 142.
(3) اللهم إلا أن يقال بجريان عمومات الإقالة في كلّ معاهدة، سواء كانت حاصلة بالعقد أو غيره، لأن الإقالة هي بمعنى إزالة الأثر. فتأمّل.
(4) قال الشيخ ( المبسوط 8 : 142 ): « وأما إن كان مشاعاً في الكلّ، بطلت في قدر المستحق ولم تبطل فيما بقي ، وقال قوم تبطل فيما بقي أيضاً، والأول مذهبنا، والثاني أيضاً قوي، لأن القسمة تميز حق كلّ واحد منهما عن صاحبه، وقد بان أنه على الإشاعة. والعلّة الجيّدة في ذلك أنهما اقتسماها نصفين وثلثها لثالث غائب، ومن قسم ما هو شركة بينه وبين غيره بغير حضوره، كانت القسمة باطلة، ويفارق هذا البيع، لأن لكلّ واحد من الشريكين أن يبيع نصيبه بغير إذن شريكه ».
(5) شرائع الإسلام 4 : 105.
(6) جواهر الكلام 40 : 366.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *