حكم ما لو كان المدعي جماعة و الشاهد واحد

حكم ما لو كان المدعي جماعة و الشاهد واحد
قال المحقق: « ولا تثبت دعوى الجماعة مع الشاهد إلاّ مع حلف كلّ واحد منهم »(1).
أقول: هذا لا إشكال فيه، لأن الدعوى حينئذ تنحل إلى دعاوى متعددة وإن كانت شهادة الشاهد الواحد كافية لجميعها، فإن حلف جميع أفراد الجماعة ثبتت الدعوى « ولو امتنع البعض ثبت نصيب من حلف دون الممتنع » لأن مقتضى الأدلّة السابقة ثبوت الدعوى المالية بالشاهد ويمين المدعي، فمن حلف مع الشهادة ثبت حقه وكان له استيفاء سهمه، سواء كانت الدعوى في حق الإرث أو حق الشركة، ومن امتنع من الحلف فلا يثبت له شيء، وهنا فروع:
] الأوّل [ : هل نكول الممتنع عن الحلف هنا يكون كنكول المدعي عن اليمين المردودة في سقوط الدعوى، فلا يترتب على بذله اليمين بعدئذ أثر ، أو لا يكون كذلك ؟ قالوا: لا يكون كذلك، بل هو نظير أنه لو أقام شاهداً على دعواه ولم يحضر الشاهد الثاني بعد، فحينئذ، يلزم على الحاكم أن يصبر حتى يحضر، لأن حق المدعي باق، ولذا لا يأمر المدّعى عليه باليمين ـ إلا إذا رفع المدّعي اليد عن إقامة الشهادة وقنع بيمين المنكر، فحينئذ يأمر المنكر بذلك ـ فهنا كذلك، فإن الممتنع عن اليمين يبقى حقه ويترتب الأثر على يمينه في الزمان اللاّحق.
] الثاني [ : لو ورث الحالف الناكل، فهل للوارث أن يحلف حتى ينتقل إليه سهم الناكل ؟ نعم، لما تقدّم من أن النكول لا يقتضي الحرمان بل الدعوى باقية، فلا مانع من أن يحلف مرّة ثانية لإثبات سهم أخيه ـ مثلاً ـ الناكل حتى ينتقل إليه بالإرث، وهل يلزم تكرار الشهادة حينئذ ؟ وجهان ، من أن الدّعوى واحدة والمفروض إقامة الشهادة قبل موت الناكل ، ومن أن المدّعي لهذا السهم فعلاً غير المدّعي سابقاً، والأقوى عند العلاّمة هو الأوّل، لأن اختلاف المدّعي لا يوجب اختلاف الدعوى.
] الثالث [ : ذكر كاشف اللثام(2): إنه لو مات المدّعي قبل الحلف والنكول، يحلف وارثه على أن هذا المال كان لمورّثه، وإنما يحلف لتعلّق حقه بهذا المال، لكن يتوقف تملّك الوارث للمال على عدم البينة للمدّعى عليه على إبراء المورث إيّاه أو نقل المال إليه مثلاً، وهذا بخلاف ما لو كان المدّعي هو المورّث نفسه، فإنه إذا حلف ثبت حقّه من دون توقف على ما ذكر.
أقول: إنما لا تسمع دعوى المدّعى عليه الإبراء ـ مثلاً ـ فيما لو قال المدعي: هذا المال لي الآن وشهد الشاهد على ذلك، كما أنه لو شهد الشاهد على المدعى عليه بأن فلاناً مات وله عليك كذا، فإنه حينئذ لا تسمع دعواه الإبراء، ولا يتوقّف مطالبة الوارث بالحق منه على عدم بينته… ولعلّ هذا الذي ذكرناه هو وجه نظر صاحب ( الجواهر ) فيما ذكره كاشف اللثام.
] الرابع [ : لو ورث الناكل الحالف أخذ سهمه وإن لم يدفع إليه سهمه لامتناعه عن اليمين، إذ لا ملازمة بين الأمرين، نعم، لا ريب في عدم انتقال سهم الحالف إلى الناكل في صورة تكذيبه الدعوى.
] الخامس [ : لو أقرّ المدّعى عليه كون المال لزيد الميت بعد شهادة الشاهد ويمينه أو مطلقاً، ثم جاء فقال الوارث بأن مورّثك قد نقل المال إلىّ ، فعلى الوارث أن يحلف على أن المال له الآن، ووجه وجوب الحلف عليه للمرّة الثانية هو أن ما يدّعيه الآن دعوى جديدة، فيتوقّف ثبوتها على يمين أخرى، فإن حلف ثبت الحق ـ إلاّ إذا أثبت المدّعى عليه الإنتقال ـ وهل يلزم إعادة الشهادة كذلك ؟ قال العلاّمة : الأقوى نعم.
أقول: إن كانت هذه دعوى جديدة، بمعنى أن الوارث يدّعي أن هذا المال الثابت للمورّث لم ينتقل إلى المدّعى عليه، فلابدّ من إقامة الشهادة أيضاً، لأن الشهادة السابقة قد أثبتت الملك للمورّث ، فلا تنفع لدعوى عدم الإنتقال إلى المدّعى عليه، وإن لم تكن دعوى جديدة ، فلا وجه لاشتراط تجديد اليمين، ففيما ذكره العلاّمة وغيره هنا ، تأمل.

(1) شرائع الإسلام 4 : 93.
(2) كشف اللثام 10 : 140.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *