3- في اليمين مع الشاهد

البحث الثالث

( في اليمين مع الشاهد )

قال المحقق: « يقضى بالشاهد واليمين في الجملة ، إستناداً إلى قضاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقضاء علي عليه السلام بعده »(1).
أقول: لا ريب ولا خلاف في القضاء بذلك في الجملة، والقدر المسلّم منه أن تكون الدّعوى في الدّين، فيشهد الشاهد ويحلف المدّعي، فهذا هو القدر المتيقن من معقد الإجماع ونصوص المسألة ، الحاكية لقضاء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأمير المؤمنين عليه السلام مثل:
1 ) عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: « كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يجيز في الدين شهادة رجل واحد ويمين صاحب الدين، ولم يجز في الهلال إلاّ شاهدي عدل »(2).
2 ) عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: « ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قضي بشاهد واحد مع يمين صاحب الحق »(3).
3 ) عن حماد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام: يقول: « كان علي عليه السلام يجيز في الدين شهادة رجل ويمين المدّعي »(4).
4 ) عن حماد بن عيسى قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : « حدّثني أبي عليه السلام أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قضى بشاهد ويمين »(5).
5 ) عن أبي بصير قال: « سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون له عند الرجل الحق وله شاهد واحد. قال فقال: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقضي بشاهد واحد ويمين صاحب الحق، وذلك في الدّين »(6).
ثم إن كان المراد من البينة في قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: « إنما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان » وفي أخبار: « البيّنة على المدعي واليمين على المدّعى عليه » ونحوه هو ما يبين الشيء(7) فلا كلام، وإن كان المراد منها شهادة الشاهدين في الواقعة ـ كما هو المنسبق إلى أذهان المتشرعة عند الإطلاق ـ فإن ثبوت الدعوى بشاهد ويمين في بعض الموارد ، إنّما يكون من جهة الأدلّة المعتبرة الدالّة عليه، فتكون تلك الأدلّة مخصصة للخبرين المذكورين ، من حيث الإكتفاء هنا بشاهد ويمين المدعي، ومن حيث أن اليمين هنا تكون على المدّعي لا على المدّعى عليه.
وما ورد في بعض الأخبار المتقدّمة من أنه « كان رسول الله… » و « كان علي عليه السلام … » فظاهر في أن سيرتهما عليهما السلام كانت على ذلك، ولم يكن قضاؤهما في تلك الموارد خاصة بها أو نادر الوقوع.
6 ) عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: دخل الحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل على أبي جعفر فسألاه عن شاهد ويمين فقال: « قضى به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقضى به علي عليه السلام عندكم بالكوفة.
فقالا: هذا خلاف القرآن.
فقال: وأين وجدتموه خلاف القرآن ؟ قالا: إن الله يقول (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْل مِّنكُمْ ).
فقال قول الله: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْل مِّنكُمْ ) هو لا تقبلوا شهادة واحد ويميناً !!.
ثم قال: إن علياً عليه السلام كان قاعداً في مسجد الكوفة، فمرّ به عبد الله بن قفل التميمي ومعه درع طلحة، فقال علي عليه السلام: هذه درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة. فقال له عبد الله بن قفل: إجعل بيني وبينك قاضيك الذي رضيته للمسلمين، فجعل بينه وبينه شريحاً.
فقال علي عليه السلام: هذه درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة، فقال له شريح: هات على ما تقول بيّنة، فأتاه بالحسن فشهد أنها درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة، فقال شريح: هذا شاهد واحد ولا أقضي بشهادة واحد حتى يكون معه آخر، فدعا قنبر فشهد أنها درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة، فقال شريح: هذا مملوك ولا أقضي بشهادة مملوك.
قال: فغضب علي عليه السلام وقال: خذها، فإن هذا قضى بجور ثلاث مرّات.
قال: فتحوّل شريح وقال: لا أقضي بين اثنين حتى تخبرني من أين قضيت بجور، ثلاث مرات.
فقال له: ويلك ـ أو ويحك ـ إني لما أخبرتك أنها درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة فقلت: هات على ما تقول بيّنة وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: حيث ما وجد غلول أخذ بغير بينة فقلت: رجل لم يسمع الحديث . فهذه واحدة.
ثم أتيتك بالحسن فشهد فقلت: هذا واحد ولا أقضي بشهادة واحد حتى يكون معه آخر، وقد قضى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بشهادة واحد ويمين . فهذه ثنتان.
ثم أتيتك بقنبر فشهد أنها درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة فقلت: هذا مملوك ، وما بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلاً.
ثم قال: ويلك ـ أو ويحك ـ إن إمام المسلمين يؤمن من أمورهم على ما هو أعظم من هذا »(8).
قلت: وشريح مخطئ من جهات أخر أيضاً لم يشر الإمام عليه السلام إليها.
قال المحقق: « ويشترط شهادة الشاهد أوّلاً وثبوت عدالته ثم اليمين »(9) .
أقول: لا ريب في اشتراط ثبوت عدالة الشاهد، إنما الكلام في لزوم تقدّم الشهادة وثبوت عدالته قبل يمين المدعي، فقال المحقق:

(1) شرائع الإسلام 4 : 92.
(2) وسائل الشيعة 27 : 264/1 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 14.
(3) وسائل الشيعة 27 : 264/2 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 14.
(4) وسائل الشيعة 27 : 265/3 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 14.
(5) وسائل الشيعة 27 : 265/4 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 14.
(6) وسائل الشيعة 27 : 265/5 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 14.
(7) وقد جاءت هذه اللفظة بهذا المعنى في مواضع من القرآن الكريم، قال عز وجل: ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكّين حتى تأتيهم البينة) سورة البيّنة 98 : 1 وقال: ( وما تفرّق الذين أوتوا الكتاب إلاّ من بعد ما جاءتهم البينة) سورة البيّنة 98 : 4.
(8) وسائل الشيعة 27 : 265/6 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 14.
(9) شرائع الإسلام 4 : 92.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *