8- حكم ما لو مات وعليه دين يحيط بالتركة

المسألة الثامنة

( حكم ما لو مات وعليه دين يحيط بالتركة )

قال المحقق : « لو مات وعليه دين يحيط بالتركة لم ينتقل إلى الوارث ، وكانت بحكم مال الميت، وإن لم يحط انتقل إليه ما فضل عن الدين »(1).
أقول: في الكتاب مطلقات تدلّ على انتقال مال الميت إلى وارثه مطلقاً، مثل قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ … )(2).
وقد قيّد ذلك في آيات ، كقوله تعالى (… مِن بَعْدِ وَصِيَّة يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْن )فيكون مقتضى الجمع: انتقال ما فضل من المال إلى الوارث بعد إخراج الوصايا والديون… وعليه: فإن استوعب الدين وأحاط بالتركة لم ينتقل إلى الوارث شيء منها.
والقول بانتقالها إلى الوارث يبتني على التجّوز، إما في المطلق ، بأن يحمل على الأعم من الملك المستقر وغير المستقر، وإما في المقيد ، فيكون المعنى: إستقرار الملك بعد الوصية والدين.

ومع التنزّل عن هذا الدليل وغيره، فإن الأصل عدم انتقال المال إلى الوارث وبقاؤه على ملك الميت، لأن الملكيّة أمر اعتباري فيجوز اعتبارها له، ومع الشك في البقاء يستصحب، إلاّ أن يقال: بأن العقلاء يفرّقون في هذا الإعتبار بين الحىّ والميّت، وهو بعيد، وعلى هذا الأساس يتّضح معنى الوصيّة، فإنها في الحقيقة تصرّف المالك في ماله بعد حياته.
وأما بناء على أن الملكية من عوارض الوجود ، وأنها أمر يقوم بنفس المالك ، فإن مات زالت ، فلا يتم الإستصحاب، وعليه، يكون المال بعد موت مالكه بلا مالك، لكن يكون بحكم مال الميت وتجري عليه أحكامه.
وأما القول بأن الشك في بقاء المال على ملك الميت مسبب عن الشك في انتقاله إلى وارثه، ومع جريان أصالة العدم في المسبّب يزول الشك في بقائه على ملك الميت. ففيه: إنه أصل مثبت وهو ليس بحجة.
وكيف كان، فإن تم هذا الأصل فهو، وإلاّ وصلت النوبة إلى الإحتياط، ومقتضاه العمل طبق الوصية وأداء الدين بإذن الوارث.
قال المحقق : « وفي الحالين للوارث المحاكمة على ما يدّعيه لمورّثه، لأنه قائم مقامه »(3).
أقول: وسواء على القولين ـ القول الثاني وهو الإنتقال، والقول الأوّل وهو عدم الإنتقال ـ فإن الوارث يطالب بحقوق الميت، إما لأنه المالك ، وإما لأنه قائم مقامه.
ولو ادّعى ديّان الميت على المدين فحلف على الإنكار، لم يجز لهم مطالبته فيما بعد، فإن جاء الوارث وأقام البيّنة على المدين ، فهل تسمع دعواه أو أن اليمين تلك فصلت الخصومة ؟ الظاهر هو الأوّل.

(1) شرائع الإسلام 4 : 92.
(2) سورة النساء 4 : 11.
(3) شرائع الإسلام 4 : 92.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *