حكم ما لو امتنع عن الإجابة إلى التغليظ

فرعان:
الأوّل: حكم ما لو امتنع عن الإجابة إلى التغليظ:
قال المحقق: « لو امتنع عن الإجابة إلى التغليظ لم يجبر، ولم يتحقق بامتناعه النكول »(1).
أقول: استدلّ له بالأصل، أي: إن الأصل عدم جواز إجباره على ذلك، وقبله إطلاقات أدلّة القضاء وكيفية الحكم، مضافاً إلى قوله عليه السلام: « من حلف بالله فليصدق، ومن حلف له بالله فليرض، ومن لم يرض فليس من الله »(2) وفي ( الجواهر )(3): بلا خلاف أجده إلاّ عند من ستعرف. ثم نقل الخلاف عن بعض العامة من وجوبها عليه وتحقق النكول بالامتناع لو طلبه الحاكم منه.
لكن بناءاً على كون الإحلاف وكيفيّته حقاً للمدّعي ، يجب عليه الإجابة، وفي رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله: « … فإن كان المطلوب بالحق قد مات فأُقيمت عليه البينة، فعلى المدعي اليمين بالله الذي لا إله إلاّ هو لقد مات فلان وأن حقه لعليه، فإن حلف وإلاّ فلا حق له… »(4) فإن ظاهرها أن الامتناع عن اليمين المغلّظة نكول، لكن لا يبعد أن لا يكون النظر فيها إلى الكيفية بل المراد ـ كما عليه الأكثر ـ هو الإمتناع عن أصل اليمين وأنه إن لم يحلف فلا حقّ له.
وذكر في ( الجواهر ) وجه خلاف بعض العامة بقوله: ولعلّ وجهه أنه لا فائدة في استحبابه للحاكم مع فرض عدم وجوبه على المدّعى عليه، مضافاً إلى استمرار السيرة على توجيه اليمين مغلّظة على المنكر… ( قال ) : إلا أن ذلك كلّه كما ترى.
أي: لأن اللّغوية ممنوعة، لأن أثر استحباب التغليظ للحاكم هو تخويف المدّعى عليه وتشديد الأمر عليه، لئلاّ يقدم على اليمين الكاذبة(5)، ولأن اتصال هذه السيرة بزمن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم . غير معلوم، ولو سلّم ، فإنها لا تدلّ على وجوب الإجابة وأنه لو امتنع كان ناكلاً…
فالحاصل: إن في المسألة قولين: الوجوب، وهو لأصحابنا، وعدم الوجوب ، وهو لبعض العامة(6)، ولا قائل بالإستحباب.
وعن آخر من العامة: التفصيل بين التغليظ الزماني والمكاني ، فتجب الإجابة عليه فيه، وبين التغليظ القولي فلا تجب، ولعلّه لإطلاق أدلّة اليمين ، وأما وجوبها بالنسبة إلى الزماني والمكاني، فلأنّ للمدعي أن يؤخّر استحلافه إلى يوم الجمعة أو إلى المسجد مثلاً، وليس للمدعى عليه الامتناع من ذلك. قال في ( الجواهر ): وفيه : أنه يمكن أن يكون الأمر بالعكس… لكن في ( كشف اللثام ) الموافقة على ذلك، فلم يجوّز الجبر في التغليظ القولي، ( قال ): أمّا بالزمان والمكان فيجبر عليهما، فإن اليمين حق للمدعي …(7).
أقول: إن التغليظ مطلقاً مستحب للحاكم ، على المشهور، والمستحب يتسامح فيه، إلاّ أنهم دقّقوا النظر في المسألة من جهة ترتب أثر النكول وعدم ترتبه على الإمتناع عن الإجابة.
ثم هل يقتضي قوله عليه السلام: « لا يحلّف أحد عند قبر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم على أقلّ مما يجب فيه القطع »(8) ـ بناءاً على قراءته بالتشديد ـ جواز التغليظ في الحقوق والأموال كلّها مطلقاً إلاّ على الأقل مما يجب فيه القطع، أي سواء كان عند قبره أو غيره من الأماكن المشرفة، وسواء كان التغليظ مكانياً أو زمانياً ؟
الإنصاف: إن استفادة هذا الحكم الكلّي من الخبر مشكل.
قال في ( الجواهر ): ولو ادّعى العبد ـ وقيمته أقل من نصاب القطع ـ العتق، فأنكر مولاه ، لم يغلظ، ولو ردّ فحلف العبد غلظ عليه، لأن العتق ليس بمال ولا المقصود منه المال(9).

(1) شرائع الإسلام 4 : 88.
(2) وسائل الشيعة 23 : 211/1 . كتاب الأيمان ، الباب 6.
(3) جواهر الكلام 40 : 234.
(4) وسائل الشيعة 27 : 236/1 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 4.
(5) كما عن أمالي الشيخ: « اختصم امرؤ القيس ورجل من حضرموت إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في أرض فقال: ألك بينة ؟ قال: لا، قال: فيمينه. قال: إذن والله يذهب بأرضي. قال: إن ذهب بأرضك بيمينه كان ممن لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكّيه وله عذاب أليم. قال: ففزع الرجل وردّها إليه » وسائل الشيعة 18 : 172.
(6) روضة الطالبين 8 : 312.
(7) جواهر الكلام 40 : 234 ـ 235.
(8) وسائل الشيعة 27 : 298/1 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 29.
(9) جواهر الكلام 40 : 235.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *