هل يأمر الحاكم المدعي بإحضار البيّنة ؟

هل يأمر الحاكم المدعي بإحضار البيّنة ؟
قال المحقق: « ولو كان للمدعي بينة لم يقل الحاكم أحضرها لأنه حق له »(1).
أقول: هذا شروع فيما يتعلق بالمدّعي من الأحكام، وظاهر « لم يقل » عدم الجواز، ويشهد بذلك قوله في مقابل هذا القول « وقيل: يجوز » ووجه عدم الجواز: إن الحق للمدعي وليس للحاكم إجباره على إقامة البينة لإحقاق حقه، ولكن هذا الدليل هو بالنظر إلى القاعدة الكليّة في الحقوق، فالقاعدة العامّة فيها هي : أن من كان ذا حق على أحد ، لا يجوز إجباره على استيفاء حقّه، وأن للمدعي أن يطالب بيمين المنكر وإن كان له بينة على ما يدّعيه… فهذا الدليل يفيد الحكم بعدم جواز الإلزام ولا يقتضي حرمة أن يقول له « أحضرها » من باب الإرشاد والتنبيه كما هو أحد الأقوال في المسألة، فالأقوال أربعة: عدم الجواز مطلقاً، والجواز مطلقاً، والتفصيل المذكور، وقيل: يجوز إن كان الغرض تعليمه المسألة.
والظاهر أنه إن كان قوله من باب الإرشاد فهو جائز.
هذا بحسب القواعد الكلّية، وأما بالنسبة إلى مورد المخاصمة، فهل مدلول الأخبار الدالّة على أن « البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر » هو أن اليمين على من أنكر إن لم يكن للمدّعي بينة ، أو لا بل يجوز إحلاف المنكر وإن كانت البينة حاضرة ؟ في الوسائل « باب أن المدّعي إذا لم يكن له بينة فله استحلاف المنكر … »(2) والنصوص الدالّة على ذلك كثيرة:
ففي خبر محمد بن مسلم: « في الرجل يدّعي ولا بينة له قال: يستحلفه… ».
فهذا الخبر وارد في مورد عدم وجود البينة، فله استحلافه حينئذ، فالظاهر هو الوجه الأوّل، وأن ميزان المرافعة هو إقامة المدعي البينة، فإن لم يكن عنده بينة فله استحلافه، فإن ردّ اليمين على المدعي فحلف ثبتت الدعوى وإن نكل سقطت … وأن وظيفة الحاكم هو الحكم بحسب هذا الميزان.
وفي خبر عبيد بن زرارة: « في الرجل يدّعى عليه الحق ولا بينة للمدّعي. قال: يستحلف أو يردّ اليمين على صاحب الحق »(3).
وفي خبر يونس: « استخراج الحقوق بأربعة وجوه : بشهادة رجلين عدلين … »(4).
وفي مرسلة أبان: « في الرجل يدّعى عليه الحق وليس لصاحب الحق بينة. قال: يستحلف المدّعى عليه… »(5).
فمفاد هذه النصوص وغيرها: أن ميزان المرافعة عند الشرع ذلك، فكيف نرفع اليد عنها ونقول: إن إقامة البينة حق للمدعي وله رفع اليد عن حقه ؟ ويؤيّد ذلك أنا لم نجد خبراً يتضمن يمين المنكر أو استحلافه مع وجود البينة.
قال: « وقيل: يجوز وهو حسن ».
أقول: أي: يجوز الإلزام بناءاً على ما ذكرنا في معنى « لم يقل »، لكن القول بجواز الإلزام غير تام.

(1) شرائع الإسلام 4 : 85.
(2) وسائل الشيعة 27 : 241 . أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، الباب 7.
(3) وسائل الشيعة 27 : 248 / 2.
(4) وسائل الشيعة 27 : 241 / 4.
(5) وسائل الشيعة 27 : 242 / 5.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *