هل يحبس الممتنع عن أداء الدين ؟

هل يحبس الممتنع عن أداء الدين ؟
وكيف كان، فإن امتثل المحكوم عليه حكم الحاكم فهو، وإن امتنع من أداء الحق أجبره الحاكم أو سائر الناس على الأداء ، من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وللغريم أن يغلظ له القول ويخاطبه بما يكرهه في حدود الشرع، ولو لم يفد ذلك كلّه حبسه الحاكم بالتماس الغريم ، لقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الخبر الضعيف المنجبر بعمل الأصحاب ـ « ليّ الواجد بالدين يحلّ عرضه وعقوبته ما لم يكن دينه فيما يكره الله عز وجل »(1) لكن العقوبة فيه مطلقة، فالظاهر إناطتها بنظر الحاكم، إلاّ أن في جواز حبسه لذلك نص خاص، ففي الموثق: عن أبي عبد الله عليه السلام : « إن عليّاً عليه السلام كان يحبس الرجل إذا التوى على غرمائه ، ثم يأمر به فيقسّم ماله بينهم بالحصص »(2).
وفي هذا الحبس احتمالات، فيحتمل أن يكون عقوبة للمماطلة السابقة منه، وأن يكون تحذيراً له عن المماطلة فيما يستقبل، وأن يكون لغرض حمله على الإعتراف بما يملكه من الأموال، ويدلّ الخبر المذكور على أنه بعد الحبس يؤمر الغريم أوّلاً بأداء الحق، بأن يقسم أمواله بين الغرماء بالحصص، فإن أبى فعلى الإمام ذلك بعد بيع ماله، وفي خبر السكوني: « إن علياً عليه السلام كان يحبس في الدين ثم ينظر، فإن كان له مال أعطى الغرماء، وإن لم يكن له مال دفعه إلى الغرماء فيقول لهم: إصنعوا به ما شئتم ، إن شئتم واجروه، وإن شئتم استعملوه »(3).
بل عن الشيخين في المقنعة والتهذيب مرسلاً: « قال الصادق عليه السلام لقوم من أصحابه: إنه قد حقّ لي أن آخذ البرئ منكم بالسقيم، وكيف لا يحق لي وأنتم يبلغكم عن الرجل منكم القبيح فلا تنكرون عليه ولا تهجرونه ولا تؤذونه حتى يترك »(4) فهذا يفيد جواز الإيذاء من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلاّ أنه لم يذكر حدّه في الروايات، فيرجع ذلك إلى نظر الحاكم.
فالحاصل: إنه يلزم أن تكون أحكام القضاة وعقوباتهم مطابقة للأدلّة الشرعية والموازين المقررة الإلهيّة، فما تداول في هذه الأيام من بعضهم من الحكم بالسجن ودفع كذا من المال في بعض الموارد حكم بل دليل، وكذا مصادرة الأموال ، فإنه لم يجعل الشارع هذه العقوبة على جرم في الشريعة المقدسة، ولو علم بوجود أموال مغصوبة في أموال أحد، فاللاّزم استرداد ذلك المقدار فقط ودفعه إلى صاحبه أو إلى ورثته، لا أن يجعل في صندوق المستضعفين ، أو يتصرف فيه الحاكم أو غيره تصرفات أخرى.

(1) وسائل الشيعة 18 : 333/4 . أبواب الدين ، الباب 8.
(2) وسائل الشيعة 18 : 416/1 . أبواب القسمة ، الباب 6.
(3) وسائل الشيعة 18 : 418/3 . باب حبس المديون 7.
(4) تهذيب الأحكام 6 : 181/375.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *