اضطراب القوم في تبرير صنيع عثمان

اضطراب القوم في تبرير صنيع عثمان
ومن العجب دفاع بعضهم عن عثمان وتبريره صنيعه: بأنّ أباذر كان يستحقّ الإجلاء عن المدينة، لأنّه كان يتجاسر على عثمان، قال: «أمّا نفي بعض الصحابة كأبي ذر، فلأنّه كان يتجاسر عليه، ويجيبه بالكلام الخشن، وكان ذلك يؤدّي إلى ذهاب هيبته وتقليل حرمته»(1).
أمّا أوّلاً: فهذا الكلام دليلٌ على أنّ عثمان لم يكن له حرمة عند خلّص المؤمنين من أصحاب رسول ربّ العالمين، كأبي ذر وسلمان وعمّار وأمثالهم.
وأمّا ثانياً: فمن أين ثبت أنّ تجاسره على عثمان وتكلّمه معه بكلام خشن كان غير جائز؟ إنّه لابدّ من إثبات ذلك بالكتاب والسنّة، حتّى يجوز ما فعله عثمان!!
وأمّا ثالثاً: فإنّ القول بأنّ نفي عثمان أباذر كان على حقّ، ردّ صريح على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، بل تكذيب لكلامه، لأنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم ذكر طرد أبي ذر من المدينة في مقام المدح له ـ كما في (الجامع الصغير) وغيره ـ فلو كان إخراجه بحقّ فأين موضع المدح؟
وهذا من موارد تقديم القوم خلفائهم على رسول الله!!
وأمّا رابعاً: فإنّه كيف الجمع بين هذه القصّة، وذلك التعظيم والتجليل الذي يذكرونه للصحابة عامّةً، ويحرّمون تحقيرهم والتنكيل فيهم والطعن عليهم، وينفون عنهم أيّة منقصة، ويذمّون بل يكفّرون كلّ من ناقش في عدالتهم؟
فعجيب أمر هؤلاء، إنّهم إذا أرادوا تثبيت الخلافة البكريّة جعلوا يبالغون في مدح الصحابة أقصى المبالغة، ثمّ لمّا رأوا الصّحابة يطعنون في عثمان وخلافته رموهم بالقبيح وأفتوا باستحقاقهم للهتك والضرب والطّرد…!!
وأفرط بعضهم ـ كالشيخ ولي الله الدهلوي في (إزالة الخفا) ـ في ذمّ أبي ذر ـ دفاعاً عن عثمان ـ فاتّهمه بأنّه قد أوجد ثلمة في القواعد الشرعيّة المقرّرة، فلذا نفاه عثمان!!
فهكذا يتّهم أباذر… وينسى كلّ ما يقولونه في فضل الصحابة، وما يرويه الفريقان في فضل أبي ذر خاصّة؟ والحال أنّهم إذا سمعوا مثل هذا الكلام من بعض الإماميّة ولو بحقّ معاوية وعمرو بن العاص، أقاموا الدنيا وأقعدوها، لكونهما من الصحابة!!
لكنّ البعض الآخر يجعل السبب في طرد أبي ذر «تزهيده الناس في الدنيا»؟! ففي (تاريخ الخميس): «قال ابن خلّكان وغيره… نفى أباذر الغفاري إلى الربذة، لأنّه كان يزهّد الناس في الدنيا…»(2).
وهكذا في كتاب (حياة الحيوان)(3).
سبحان الله!! أصبح «تزهيد الناس في الدنيا» مجوّزاً للهتك وللطّرد من مدينة المصطفى؟!
أفهكذا يعتذر لخليفة المسلمين فيما أتى به مع هذا الصحابي العظيم؟!

(1) تحصيل الكمال في أسماء رجال المشكاة، لعبدالحق الدهلوي. ترجمة أبي ذر.
(2) تاريخ الخميس 2: 259.
(3) حياة الحيوان 1: 76.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *