4- من تصحيفات الناسخين

4

من تصحيفات الناسخين

وأمّا التصحيفات في ألفاظ الروايات وأسماء الرواة وغير ذلك ـ كما ذكر علماؤهم الأعلام ـ ، فلا يمكن استقصاؤها وحصرها في كتاب، وقد رأينا الإكتفاء بجملة منها في هذا المقام:

ـ 1 ـ
قال العراقي في (التقييد والإيضاح):
«قوله حكاية عن عبدالرحمن بن مهدي أنّه قال: الثقة شعبة وسفيان.
وقد اعترض عليه: بأنّ الذي في كتاب الخطيب وغيره: الثقة شعبة ومسعر، لم يذكر سفيان جملة.
والجواب: إنّ المصنّف لم يحك ذلك عن الخطيب، وعلى تقدير كونه في كتاب الخطيب هكذا فيحتمل أنّه من النسّاخ، فليس غلط المصنّف بأولى من تغليطهم»(1).

ـ 2 ـ
قال سبط ابن الجوزي، في مدّة حياة الصدّيقة الزهراء عليها السلام بعد أبيها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم :
«وأقامت مع علي بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سبعين يوماً. وفي رواية: أربعين يوماً، وتوفّيت وهي بنت ثمان عشرة سنة.
قلت: وليست هذه الرواية بشيء، لإجماع المؤرّخين على أنّها ولدت قبل الهجرة النبويّة بخمس سنين على ما ذكرناه، ويحتمل أنّ الغلط من الناسخ، أراد أنْ يكتب ثمان وعشرين، فكتب ثمان عشرة»(2).

ـ 3 ـ
قال الحلبي، في ذكر غزوة تبوك:
«ووقع في البخاري: أنّها كانت بعد حجّة الوداع. قيل: وهو من غلط النسّاخ»(3).

ـ 4 ـ
وقال المزّي بترجمة عيّاش بن الأزرق:
«قال أبوبكر ابن أبي عاصم: مات سنة 227. وفي ذلك نظر، فإنّ جعفر ابن محمّد الفريابي قد سمع منه، وإنّما كانت رحلته بعد الثلاثين، فلعلّه يكون سنة سبع وثلاثين»(4).

ـ 5 ـ
وقال العيني بترجمة مالك بن عامر وهو والد أنس بن مالك:
«قال محمّد بن سرور المقدسي: قال الواقدي: توفي سنة 112 وهو ابن سبعين أو اثنين وسبعين سنة. وكذا حكى عنه محمّد بن طاهر المقدسي وأبو نصر الكلاباذي. وقال الحافظ زكي الدين المنذري: كيف يصحّ سماعه عن طلحة مع أنّه توفّي سنة 112 وهو ابن سبعين أو اثنين وسبعين؟ فعلى هذا يكون مولده سنة 40 من الهجرة، ولا خلاف أنّ طلحة قتل يوم الجمل سنة 36 من الهجرة. والإسناد صحيح. أخرجه الأئمّة وفيه أنّه سمع طلحة بن عبيدالله. قلت: فلعلّ السبعين صوابها التسعين وتصحّفت بها»(5).

ـ 6 ـ
وقال السيوطي في (مرقاة الصعود) بشرح ما أخرجه أبو داود قال:
«حدّثني شعبة، حدّثني عبد ربّه بن سعيد، عن أنس بن أبي أنس، عن عبدالله بن نافع، عن عبدالله بن الحارث بن عبدالمطّلب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: الصلاة مثنى… الحديث».
قال: «قال الخطابي: أصحاب الحديث يغلّطون شعبة في رواية هذا الحديث. قال البخاري: أخطأ شعبة في هذا الحديث في مواضع: قال: عن أنس بن أبي أنس. وإنّما هو عمران بن أبي أنس. وقال: عن عبدالله بن الحارث، وإنّما هو: عن عبدالله بن نافع، عن ربيعة بن الحارث، وربيعة بن الحارث هو ابن المطّلب فقال هو: عن المطّلب. والحديث عن الفضل ابن عبّاس، ولم يذكر فيه الفضل.
قال: ورواه اللّيث بن سعد، عن عبدربّه بن سعيد، عن عمران بن أبي أنس، عن عبدالله بن نافع، عن ربيعة بن الحارث، عن الفضل بن عبّاس، عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم . وهو الصحيح.
وقال يعقوب بن سفيان في هذا الحديث مثل قول البخاري، وخطّأ شعبة وصوّب الليث. وكذا قال محمّد بن إسحاق بن خزيمة. انتهى كلام الخطابي»(6).

ـ 7 ـ
وقال التوربشتي بشرح الحديث في أنّ المسيح الدجّال أعور عين اليمنى، كأنّ عينه غلبة طافية.
«وفي الأحاديث التي وردت في وصف الدجّال وما يكون منه كلمات متنافرة يشكل التوفيق بينها، ونحن نسأل الله التوفيق في التوفيق بينها، وسنبيّن كلاًّ منها على حدته في الحديث الذي ذكر فيه أو تعلّق به.
ففي هذا الحديث إنّها «طافية» على ما ذكرناه، وفي آخر: إنّه جاحظ العين كأنّها كوكب، وفي آخر إنّها ليست بناتية ولا جحراء. والسبيل في التوفيق بينهما أن نقول: إنّما اختلف الوصفان بحسب اختلاف العينين. وذلك يؤيّد ما في حديث ابن عمر هذا أنّه أعور عين اليمنى. وفي حديث حذيفة أنّه ممسوح العين عليها ظفرة غليظة، وفي حديث أيضاً: أعور عين اليسرى. ووجه الجمع بين هذه الأوصاف المتنافرة: أنْ نقدر فيها أنّ إحدى عينيه ذاهبة والاُخرى معيبة، فيصحّ أن يقال لكلّ واحدة عوراء، لأنّ الأصل في العور العيب. هذا
وليس بمستبعد أن يكون سمعُ بعض الرواة قد أخطأ في اليمنى واليسرى، فإنّهم ليسوا بمعصومين عن الخطأ، وهذا قول لا يملّ المحدّث من فرضه وسمعه، ونحن نرى نفي الإحالة عن كلام من تكفّل الله له بالعصمة أحقّ وأولى من الذبّ عمّن لا يلزمنا القول بعصمته، بل لانرى له العصمة. وقلّما يسلم الإنسان من سهو أو نسيان، والقلم عن عثرة أو طغيان»(7).

ـ 8 ـ
وقال التوربشتي بشرح حديث ابن مسعود: «لمّا اُسري رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انتهي به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة…» قال:
«لا خفاء بأنّ بعض الرواة وهم في السادسة. وإنّما الصواب: في السابعة»(8).

ـ 9 ـ
إدخال بعضهم تفسير القرآن في القرآن.
وهذا من ألطف الاُمور!!
قال السيوطي في قول الله تعالى: (وإنْ منكم إلاّ واردها) عن ابن الأنباري:
«أخرج عن الحسن أنّه كان يقرأ: وإنْ منكم إلاّ واردها الورود الدخول. قال ابن الأنباري: قوله: الورود الدخول تفسير من الحسن لمعنى الورود، وغلط فيه بعض الرواة وألحقه بالقرآن»(9).

ـ 10 ـ
قال ابن القيّم ـ بعد ذكر سرية الخبط وكانت في رجب سنة ثمان:
«فصل ـ في فقه هذه القصّة، ففيها جواز القتال في الشهر الحرام إنْ كان ذكر التاريخ فيها برجب محفوظاً، والظاهر ـ والله أعلم ـ أنّه وهم غير محفوظ، إذ لم يحفظ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه غزا في الشهر الحرام ولا أغار فيه ولا بعث فيه سرية»(10).

ـ 11 ـ
وقال ابن القيّم:
«وأمّا قول ابن عبّاس: إنّ النبي تزوّج ميمونة وهو محرم وبنى بها وهو حلال، ممّا استدرك عليه وعدّ من وهمه. قال سعيد بن المسيّب: وَهَل ابن عبّاس وإنْ كانت خالته، ما تزوّجها إلاّ بعد ما حلّ. ذكره البخاري»(11).

ـ 12 ـ
وقال ابن القيّم:
«وممّا وقع في حديث الإفك أنّ في بعض طرق البخاري عن أبي وائل عن مسروق قال: سألت اُم رومان عن حديث الإفك فحدّثتني. قال غير واحد: وهذا غلط ظاهر، فإنّ اُم رومان ماتت على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قبرها وقال: من سرّه أن ينظر إلى امرأة من الحور فلينظر إلى هذه. قالوا: ولو كان مسروق قدم المدينة في حياتها وسألها للقي رسول الله وسمع منه، ومسروق إنّما قدم المدينة بعد موت رسول الله. قالوا: وقد روى مسروق عن اُم رومان حديثاً غير هذا، فأرسل الرواية عنها، فظنّ الرواة أنّه سمع منها، فحمل هذا الحديث على السماع»(12).

ـ 13 ـ
وقال ابن القيّم في الأوهام في أخبار حجّة الوداع:
«فصلٌ في الأوهام: فمنها وهم لأبي محمّد بن حزم في حجّة الوداع حيث قال: إنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أعلم الناس وقت خروجه إنّ عمرةً في رمضان تعدل حجّة، وهذا وهم ظاهر، فإنّه إنّما قال ذلك بعد رجوعه إلى المدينة من حجّته، قال لاُم سنان الأنصاريّة: ما منعك أن تكوني حججت معنا؟ قالت: لم يكن لنا إلاّ ناضحان، فحجّ أبو ولدي وابني على ناضح، وترك لنا ناضحاً ننضح عليه. فقال: فإذا جاء رمضان فاعتمري، فإنّ عمرة في رمضان تقضي حجّة. هكذا رواه مسلم في صحيحه.
وكذلك قال أيضاً هذا لاُم معقل بعد رجوعه إلى المدينة، كما رواه أبو داود من حديث يوسف بن عبدالله بن سلام عن جدّته اُم معقل قالت: لمّا حجّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حجّة الوداع، وكان لنا جمل، فجعله أبو معقل في سبيل الله، فأصابنا مرض فهلك أبو معقل، وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلمّا فرغ جئته فقال: ما منعك أن تخرجي معنا؟ فقالت: لقد تهيّأنا فهلك أبو معقل، وكان لنا جمل هو الذي يحجّ عليه، فأوصى به أبو معقل في سبيل الله. قال: فهلاّ خرجت عليه، فإنّ الحجّ من سبيل الله، فإذ فاتتك هذه الحجّة معنا فاعتمري في رمضان فإنّه حجّة.
فصلٌ: ومنها وهم آخر، أنّ خروجه كان يوم الخميس لستّ بقين من ذي القعدة. وقد تقدّم أنّه خرج لخمس، وأنّ خروجه كان يوم السبت.
فصلٌ: ومنها وهم آخر لبعضهم، ذكره الطبري في حجّة الوداع أنّه خرج يوم الجمعة بعد الصلاة، والذي حمله على هذا الوهم القبيح قوله في الحديث: خرج لستّ بقين، فظنّ أنّ هذا لا يمكن إلاّ أن يكون الخروج يوم الجمعة، إذ تمام الستّ يوم الأربعاء وأوّل ذي الحجّة كان الخميس بلا ريب، هذا خطأ فاحش، فإنّه من المعلوم الذي لا ريب فيه: أنّه صلّى الظهر يوم خروجه بالمدينة الأربعاء والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثبت ذلك في الصحيحين.
وحكى الطبري في حجّته قولاً ثالثاً، أنّ خروجه كان يوم السبت وهو اختيار الواقدي، وهو القول الذي رجّحناه أوّلاً، لكن الواقدي وهم في ذلك ثلاثة أوهام: أحدها: أنّه زعم أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم خروجه الظهر بذي الحليفة ركعتين، الوهم الثاني: أنّه أحرم ذلك اليوم عقيب صلاة الظهر، وإنّما أحرم من الغد بعد أن بات بذي الحليفة، والوهم الثالث: أنّ الوقفة كانت يوم السبت، وهذا لم يقله غيره، وهذا وهم بيّن.
فصلٌ: ومنها وهم للقاضي عياض وغيره: أنّه صلّى الله عليه وسلّم تطيّب هناك قبل غسله، ثمّ غسل الطيب عنه لما اغتسل، ومنشأ هذا الوهم من سياق وقع في صحيح مسلم في حديث عائشة أنّها قالت: طيّبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ طاف على نسائه بعد ذلك، ثمّ اغتسل ثمّ أصبح محرماً، والذي يردّ هذا الوهم قولها: طيّبت رسول ألله لإحرامه، وقولها: كأنّي أنظر إلى وبيص الطيب، أي بريقه في مفارق رسول الله وهو محرم، وفي لفظ: وهو يلبّي بعد ثلاث من إحرامه، وفي لفظ: كان رسول الله إذا أراد أن يحرم، تطيّب بأطيب ما يجد ثمّ أرى وبيص الطيب في رأسه ولحيته بعد ذلك. وكلّ هذه الألفاظ ألفاظ الصحيح.
وأمّا الحديث الذي احتجّ به، فهو حديث إبراهيم بن محمّد بن المنتشر عن أبيه عنها: كنت أطيّب رسول الله ثمّ يطوف على نسائه ثمّ يصبح محرماً، وهذا ليس فيه ما يمنع الطيب الثاني عند إحرامه.
فصلٌ: ومنها وهم آخر لأبي محمّد ابن حزم: أنّه صلّى الله عليه وسلّم أحرم قبل الظهر، وهو وهم ظاهر، لم ينقل في شيء من الأحاديث، وإنّما أهلّ عقيب صلاة الظهر في موضع مصلاّه، ثمّ ركب ناقته واستوت به على البيداء وهو يهلّ، وهذا يقيناً كان بعد صلاة الظهر.
فصلٌ: وهمٌ آخر له وهو قوله: وساق الهدي مع نفسه وكان هدي تطوّع، وهذا بناء منه على أصله الذي انفرد به عن الأئمّة أنّ القارن لا يلزمه هدي، وإنّما يلزم المتمتّع، وقد تقدّم بطلان هذا القول.
فصلٌ: ومنها وهم آخر لمن قال لم يعيّن في إحرامه نسكاً بل أطلقه. ووهم من قال إنّه عيّن عمرة مفردة كان متمتّعاً بها، كما قاله القاضي أبو يعلى وصاحب المغني وغيرهما. ووهم من قال إنّه عيّن أفراداً مجرّداً لم يعتمر معه. ووهم من قال عيّن عمرة ثمّ أدخل عليها الحجّ. ووهم من قال: عيّن حجّاً مفرداً ثمّ أدخل عليه العمرة بعد ذلك وكان من خصائصه، وقد تقدّم بيان مستند ذلك ووجه الصواب فيه.
فصلٌ: ومنها وهم لأحمد بن عبدالله الطبري في حجّة الوداع له، أنّهم لمّا كانوا ببعض الطريق صاد أبو قتادة حماراً وحشيّاً ولم يكن محرماً، فأكل منه النبي صلّى الله عليه وسلّم. وهذا إنّما كان في عمرة الحديبيّة كما رواه البخاري.
فصلٌ: ومنها وهم آخر لبعضهم حكاه الطبري عنه أنّه دخل مكّة يوم الثلاثاء، وهو غلط، فإنّما دخلها يوم الأحد الرابع من ذي الحجّة.
فصلٌ: ومنها وهم من قال: أنّه صلّى الله عليه وسلّم حلّ بعد طوافه وسعيه كما قاله القاضي وأصحابه، وقد بيّنّا أنّ مستند هذا الوهم وهم معاوية ـ أو من روى عنه ـ أنّه قصّر عن رسول الله بمشقص على المروة في حجّته.
فصلٌ: ومنها وهم من زعم أنّه كان يقبّل الركن اليماني في طوافه، وإنّما ذلك الحجر الأسود وسمّاه اليماني، لأنّه يطلق عليه وعلى الآخر باليمانيّين، فعبّر بعض الرواة عنه باليماني مفرداً.
فصلٌ: ومنها وهم فاحش لأبي محمّد ابن حزم: أنّه رمل في السعي ثلاثة أشواط ومشى أربعة، وأعجب من هذا الوهم، وهمه في حكاية الإتّفاق على هذا القول الذي لم يقله سواه.
فصلٌ: ومنها وهم من زعم أنّه طاف بين الصّفا والمروة أربعة عشر شوطاً، وكان ذهابه وسعيه مرّة واحدة، وقد تقدّم بيان بطلانه.
فصلٌ: ومنها وهم من زعم أنّه صلّى الصبح يوم النحر قبل الوقت، ومستند هذا الوهم حديث ابن مسعود أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم صلّى الفجر يوم النحر قبل ميقاتها، وهذا إنّما أراد به قبل ميقاتها الذي كانت عادته أن يصلّيها فيه، فجعلها عليه يومئذ، ولابدّ من هذا التأويل، وحديث ابن مسعود إنّما يدلّ على هذا، فإنّه في صحيح البخاري عنه. أيضاً قال: هما صلاتان تحوّلان عن وقتها: صلاة المغرب بعد ما يأتي الناس المزدلفة، والفجر حين ينزع الفجر. وقال جابر في حجّة الوداع: فصلّى الصبح حين تبيّن له الصبح بأذان وإقامة.
فصلٌ: ومنها وهم من وهم في أنّه صلّى الظهر والعصر يوم عرفة، والمغرب والعشاء تلك الليلة بأذانين وإقامتين، ووهم من قال صلاّهما بإقامتين بلا أذان أصلاً، ووهم من قال جمع بينهما بإقامة واحدة. والصحيح أنّه صلاّهما بأذان واحد وإقامة لكلّ صلاة.
فصلٌ: ومنها وهم من زعم أنّه خطب بعرفة خطبتين جلس بينهما، ثمّ أذّن المؤذّن فلمّا فرغ أخذ في الخطبة الثانية، فلمّا فرغ منها أقام الصلاة، وهذا لم يجيء في شيء من الأحاديث البتّة، وحديث جابر صريح في أنّه لمّا أكمل الخطبة أذّن بلال وأقام، فصلّى الظهر بعد الخطبة.
فصلٌ: ومنها وهم لأبي ثور، أنّه لمّا صعد أذّن المؤذّن، فلمّا فرغ قام فخطب، وهذا وهمٌ ظاهر، فإنّ الأذان إنّما كان بعد الخطبة.
ومنها: وهم من روى أنّة قدّم اُم سلمة ليلة النحر وأمرها أن توافيه صلاة الصبح بمكّة، وقد تقدّم بيانه.
فصلٌ: ومنها وهم من زعم أنّه أخّر طواف الزيارة يوم النحر إلى الليل، وقد تقدّم بيان ذلك، وأنّ الذي أخّره إلى الليل طواف الوداع. ومستند هذا الوهم ـ والله أعلم ـ أنّ عائشة قالت: أفاض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من آخر يومه كذلك، قال عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عنها، فحمل عنها على المعنى وقيل آخر طواف الزيارة إلى الليل.
فصلٌ: ومنها وهم من وهم وقال أنّه أفاض مرّتين: مرّة بالنهار ومرّة نسائه بالليل، ومستند هذا الوهم ما رواه عمرو بن قيس عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم أذِن لأصحابه فزاروا البيت يوم النحر ظهيرةً، وزار رسول الله مع نسائه ليلاً، وهذا غلط، والصحيح عن عائشة خلاف هذا، إنّه أفاض نهاراً إفاضة بعد أن بالغ في الردّ على من رام دفع هذا الوهم.
فصلٌ: ومنها: وهم من زعم أنّه طاف للقدوم يوم النحر ثمّ طاف بعده للزيارة. وقد تقدّم مستند ذلك وبطلانه.
ومنها: وهم من زعم أنّه يومئذ سعى مع هذا الطواف، واحتجّ بذلك على أنّ القارن يحتاج إلى سعيين، وقد تقدّم بطلان ذلك عنه، وأنّه لم يسع إلاّ سعياً واحداً كما قالت عائشة وجابر.
فصلٌ: ومنها ـ على القول الراجح ـ وهم من قال أنّه صلّى الظهر يوم النحر بمكّة، وفي الصحيح أنّه صلاّها بمنى كما تقدّم.
ومنها وهم من زعم أنّه لم يسرع في وادي محسِّر حين أفاض من جمع إلى منى، أنّ ذلك إنّما هو من فعل الأعراب. ومستند هذا الوهم قول ابن عبّاس إنّما كان بدء الإيضاع من أهل البادية، كانوا يقفون جانبي الناس قد علّقوا العقاب والعصا فإذا أفاضوا تقعقوا فانفرت بالناس، فلقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإن ذفرى ناقته لتمسّ حاركها وهو يقول: يا أيّها الناس عليكم بالسكينة، وفي لفظ: أنّ البرّ ليس بإيجاف الخيل والإبل، فعليكم بالسكينة، فما رأيتها رافعة يديها حتّى أتى منه، رواه أبو داود ولذلك أنكره طاوس والشعبي.
وقال الشعبي: حدّثني اُسامة بن زياد أنّه أفاض مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من عرفة، فلم ترفع راحلته رجليها عادية حتّى بلغ جمعاً. قال: وحدّثني الفضل بن عبّاس أنّه كان رديف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من جمع، فلم ترفع راحلته رجليها عادية حتّى رمى الجمرة.
وقال عطا: إنّما أحدث هؤلاء الإسراع يريدون أن يفوتوا الغبار، ومنشأ هذا الوهم اشتباه الإيضاع وقت الرفع من عرفة الذي تفعله الأعراب وجفاة الناس بالإيضاع في وادي محسّر، فإنّ الإيضاع هناك بدعة لم يفعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بل نهى عنه، والإيضاع في وادي محسّر سنة نقلها عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جابر وعلي بن أبي طالب والعبّاس بن عبدالمطّلب وفعله عمر بن الخطّاب، وكان ابن الزبير يوضع أشدّ الإيضاع، وفعلته عائشة وغيرهم من الصحابة، والقول في هذا قول من أثبت لا قول من نفى، والله أعلم.
فصلٌ: ومنها وهم طاوس وغيره أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يفيض كلّ ليلة من ليالي منى إلى البيت. وقال البخاري في صحيحه: ويذكر عن أبي حسان عن ابن عبّاس أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يزور البيت أيّام منى، ورواه ابن عروة قال: دفع إلينا معاذ بن هشام كتاباً قال: سمعته عن أبي ولم يقرأه. قال: وكان فيه عن أبي حسان عن ابن عبّاس أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان يزور البيت كلّ ليلة مادام بمنى. قال: وما رأيت أحداً واطأه عليه. إنتهى. رواه الثوري في جامعه عن ابن طاوس عن أبيه مرسلاً، وهو وهم، فإنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يرجع إلى مكّة بعد أن طاف للإفاضة ورجع إلى منى إلى حين الوداع، والله أعلم.
فصلٌ: ومنها وهم من قال أنّه ودّع مرّتين، ووهم من قال: إنّه جعل مكّة دائرة في دخوله وخروجه، فبات بذي طوى ثمّ دخل من أعلاها ثمّ خرج من أسفلها، ثمّ رجع إلى المحصّب عن يمين مكّة، فكملت الدائرة.
ومنها: وهم من زعم أنّه انتقل من المحصّب إلى ظهر العقبة.
فهذه كلّها الأوهام نبّهنا عليها مفصّلاً ومجملاً. وبالله التوفيق»(13).

ـ 14 ـ
وقال القاضي عياض والنووي في حديث أخرجه مسلم في صحيحه:
«فيه تصحيف».
قال القاضي عياض: «قوله في كتاب مسلم: نحن نجي يوم القيامة على كذا وكذا، اُنظر أي: ذلك فوق الناس.
كذا في جميع النسخ. وفيه تغيير كثير أوجبه تحرّي مسلم في بعض ألفاظه، فأشكلت على من بعده، وأدخل بينهما لفظة «انظر» التي نبّه بها على الإشكال، وظنّ أنها من الحديث.
والحديث إنّما هو: نحن يوم القيامة على كوم فوق الناس .
فتغيّرت لفظه «كوم» على مسلم أو راويه له أو عنه، فعبّر عنها بـ «كذا وكذا» ثم نبّه بقوله «انظر» أي: فوق الناس، أو كان عنده فوق الناس، على ما في بعض الحديث. فجاء من لم يفهم الغرض وظنّه كلّه من الحديث، فضمّ بعضه إلى بعض…»(14).
وقال النووي بشرحه:
«هكذا وقع هذا اللفظ في جميع الاُصول من صحيح مسلم، واتفق المتقدّمون والمتأخّرون على أنّه تصحيف وتغيير واختلاط في اللفظ…»(15).

(1) التقييد والإيضاح لما أطلق أو أغلق من كتاب ابن الصلاح: 153.
(2) تذكرة الخواص من الاُمّة: 288.
(3) السيرة الحلبيّة 3: 129.
(4) تهذيب الكمال 22: 553.
(5) عمدة القاري في شرح البخاري 1: 218 باب علامات المنافق.
(6) وانظر معالم السنن 1: 241 كتاب الصلاة، باب صلاة النهار .
(7) شرح المصابيح ـ مخطوط.
(8) شرح المصابيح ـ مخطوط.
(9) عن الإتقان في علوم القرآن ولم نجده فيه!
(10) زاد المعاد في هدي خير العباد 2: 158.
(11) زاد المعاد في هدي خير العباد 1: 113.
(12) زاد المعاد في هدي خير العباد 3: 266.
(13) زاد المعاد في هدي خير العباد 1: 242 ـ 245.
(14) مشارق الأنوار على صحاح الآثار 1: 424.
(15) المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجّاج 3: 47 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *