قدح الفيض آبادي في الصحيحين

مقدّمة
الصحّاح عند أهل السنّة

إعلم أنّ الصحاح الستّة عند أكثر أهل السنّة هي الموطأ وكتب: البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي، إلاّ أنّها ليست في مرتبة واحدة، فقد ذكر الشاه ولي الله الدهلوي في كتاب (حجّة الله البالغة): أنّ الطبقة الاُولى من كتب الحديث هي: الموطأ وصحيح البخاري وصحيح مسلم، ولعلّ أصحّها هو الموطّأ، والطبقة الثانية هي: جامع الترمذي وسنن أبي داود وسنن النسائي، فإنّ هذه وإنْ لم تكن في مرتبة الصحيحين إلاّ أنّها قريبة منها.
ولم يجعل صاحب (جامع الاُصول) كتاب ابن ماجة في عداد الصّحاح، وإنّما جعل الموطّأ منها، قال الشيخ عبدالعزيز الدهلوي في رسالته في (اصول الحديث): «والحق معه»، ثمّ نقل عن والده ولي الله أنّ (مسند أحمد) أيضاً في هذه المرتبة، لكونه أصلاً في معرفة الصحيح من السقيم، وبه يعرف ماله أصل عمّا ليس له أصل.
وعلى كلّ حال، فلا خلاف في تقدّم كتاب البخاري ومسلم على سائر كتبهم الحديثيّة.

قدح الفيض آبادي في الصحيحين
وينبغي ـ قبل الورود في تحقيق حال الصحيحين وصاحبيهما من كلمات أعلام القوم ـ أنْ نذكر رأي (المخاطب) نفسه فيهما، وذلك: أنّه لمّا اُلزم ببعض الأحاديث المخرَّجة في الكتابين، اضطرّ في كتابه (إزالة الغين) إلى تكذيبها والطعن فيهما.
فكذّب حديث «إيتوني بدواة وقرطاس» وحكى عن الآمدي في مسنده القول بأنّ حديث القرطاس لا أساس له.
وكذّب حديث «فدك» ونقل عن أبي السعادات ابن الأثير قوله في مقدّمة (جامع الاُصول) في ذكر المجروحين: «ومنهم: قوم وضعوا الحديث لهوىً يدعون الناس إليه، فمنهم من تاب عنه وأقرّ على نفسه، قال شيخ من شيوخ الخوارج بعد أنْ تاب: إنّ هذه الأحاديث دين، فانظروا ممّن تأخذون دينكم، فإنّا كنّا إذا هوينا أمراً صيّرناه حديثاً.
وقال أبوالعيناء: وضعت أنا والجاحظ حديث فدك، وأدخلناه على الشيوخ ببغداد، فقبلوه، إلاّ ابن أبي شيبة العلوي، فإنّه قال: لا يشبه آخر هذا الحديث أوّله، وأبى أنْ يقبله…».
فأين صارت دعوى إجماع الاُمّة على صحّة ما في الكتابين؟ وأين راحت تلك الفضائل والمناقب التي يزعمونها لهما، والخرافات التي يلفّقونها لصاحبيهما؟ وأين ذهبت شدّة احتياط البخاري لدى كتابة الأحاديث وتدوين صحيحه، حتّى أنّه لم يخرّج فيه شيئاً عن صادق أهل البيت عليه السلام!! مع روايته عن الكذّابين والنواصب والخوارج: كإسحاق بن سويد، وحريز بن عثمان، وعمران بن حطّان، وحصين بن نمير، وعبدالله بن سالم، وعكرمة مولى ابن عبّاس، وقيس بن أبي حازم، ووليد بن كثير، وأمثالهم، كما لا يخفى على ناظر (ميزان الإعتدال) وغيره من كتب الرجال؟!
عجيبٌ أمر هؤلاء!!
إذا أرادوا تصحيح أحاديث هذين الكتابين والاستدلال بها أمام الإماميّة، بالغوا في مدحهما حتّى كفّروا من تكلّم فيهما وهوّن أمرهما، قال شاه ولي الله في كتاب (حجة الله البالغة) :
«وأمّا الصحيحان، فقد اتفق المحدّثون على أنّ جميع ما فيهما من المتّصل المرفوع صحيح بالقطع، وأنّهما متواتران إلى مصنّفهما، وأنّه كلّ من يهوّن أمرهما فهو مبتدع متّبع غير سبيل المؤمنين».
وحتّى وضعوا ما يدلّ على جلالتهما وعظمتهما على لسان النبي الصادق الأمين صلّى الله عليه وآله وسلّم!! لقد جاء في (الدر الثمين في مبشّرات النبي الأمين) لشاه ولي الله الدهلوي.
«الحديث الثالث والثلاثون: أخبرني الشيخ أبو طاهر قال: أخبرنا الشيخ أحمد النخلي قال: أخبرنا شيخنا السيّد السند أحمد بن عبدالقادر قال: أخبرنا الشيخ جمال القيرواني، عن شيخه الشيخ يحيى الخطّاب المالكي قال: أخبرنا عمّي الشيخ بركات الخطّاب، عن والده، عن جدّه الشيخ محمّد بن عبدالرحمان الخطّاب شارح مختصر الخليل قال: مشينا مع شيخنا العارف بالله تعالى الشيخ عبدالمعطي التونسي لزيارة النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا قربنا من الروضة الشريفة ترجّلنا، فجعل الشيخ عبدالمعطي يمشي خطوات ويقف، حتّى وقف تجاه القبر الشريف، فتكلّم بكلام لم نفهمه، فلمّا انصرفنا سألناه عن وقفاته فقال: كنت أطلب الإذن من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في القدوم عليه، فإذا قال لي أقدم قدمت ساعة، ثمّ وقفت وهكذا حتّى وصلت إليه. فقلت:
يا رسول الله، أكلّما روى البخاري عنك صحيح؟
فقال: صحيح.
فقلت له: أرويه عنك يا رسول الله؟
قال: أروه عنّي.
وقد أجاز الشيخ عبدالمعطي نفعنا الله تعالى به الشيخ محمّد الخطّاب أن يرويه عنه، وهكذا كلّ واحد أجاز من بعده، وأجاز السيّد أحمد بن عبدالقادر النخلي أن يرويه عنه بهذا السند، وأجاز النخلي لأبي طاهر، وأجاز أبو طاهر لنا.
ووجدت هذا الحديث بخطّ الشيخ عبدالحق الدهلوي بإسناد له عن الشيخ عبدالمعطي بمعناه، وفيه: فلمّا فرغ من الزيارة وما يتعلّق بها، سأله أن يروي عنه صلّى الله عليه وسلّم صحيح البخاري وصحيح مسلم، فسمع الإجازة من النبي، فذكر صحيح مسلم أيضاً».
كما ذكروا منامات فيها أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بدراسة كتاب البخاري،!! فراجع (مقدّمة فتح الباري)(1).
ثمّ إنّه قد نصّ بعضهم على أنّ أحاديث الكتابين هي الدليل عندهم على أنَّ فرقتهم هي الفرقة الناجية في القيامة، يقول المناوي بشرح حديث: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة…»:
«فإن قيل: ما وثوقك بأنّ تلك الفرقة الناجية هي أهل السنّة والجماعة، مع أنّ كلّ واحد من الفرق يزعم أنّه هي دون غيره؟
قلنا: ليس ذلك بالإدّعاء والتشبّث باستعمال الوهم القاصر والقول الزاعم، بل بالنقل عن جهابذة أهل الصنعة وأئمّة الحديث الذين جمعوا صحاح الأحاديث في أمر المصطفى صلّى الله عليه وسلّم وأحواله وأفعاله وحركاته وسكناته ، وأحوال الصحب والتابعين، كالشيخين وغيرهما من الثقات المشاهير، الذين اتفق أهل المشرق والمغرب على صحّة ما في كتبهم…»(2).
فكان المدرك لكون أهل السنّة هم الفرقة الناجية ما رواه الشيخان البخاري ومسلم، في كتابيهما المعروفين بالصحيحين…
وإذا سقط الكتابان عن الإعتبار، لاشتمالهما على الأخبار الموضوعة والمكذوبة، بطل دعواهم على كونهم الفرقة النّاجية، وانهدم أساس مذهبهم، وتلك هي الكارثة العظيمة…
وبعد:
فهذا بعض الكلام على الكتب المذكورة وأصحابها:

(1) هدي الساري ـ مقدمة فتح الباري: 5.
(2) فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير 2: 20 ـ 21.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *