الشيخ كمال الدين ابن طلحة الشافعي

الشيخ كمال الدين ابن طلحة الشافعي
وقال الشيخ كمال الدين ابن طلحة الشافعي في كتاب (مطالب السئول):
«الباب الثاني عشر، في أبي القاسم محمّد الحجّة ابن الحسن الخالص ابن عليّ المتوكّل ابن محمّد القانع ابن عليّ الرضا عليهم السلام…
فهذا الخلف الحجّة قد أيّده الله *** هداه منهج الحقّ وآتاه سجاياه
وأعلى في ذرى العليا بالتأييد مرقاه *** وآتاه حلي فضل عظيم فتحلاّه
وقد قال رسول الله قولاً قد رويناه *** وذوالعلم بما قال إذا أدرك معناه
يرى الآثار في المهدي جائت مسمّاه *** وقد أبداه بالنسبة والوصف وسمّاه
ويكفي قوله منّي لإشراق محيّاه *** ومن بضعته الزهراء مرساه ومسراه
ولن يبلغ ما اُوتيه أمثال وأشباه *** فإن قالوا هو المهدي فما مانوا ولا فاهوا
قد أرتع من النبوّة في أكناف عناصرها، ورضع من الرسالة أخلاف أواصرها، ونزع من القرابة بسجال معاصرها، وبرع في صفات الشرف فعقدت عليه بخناصرها، فاقتنى من الأنساب شرف نصابها، واعتلا عند الإنتساب على شرف أحسابها، واجتنى جنا الهداية من معادنها وأسبابها، فهو من ولد الطّهر البتول المجزوم بكونها بضعة من الرّسول، فالرسالة أصلها، وإنّها لأشرف العناصر والاُصول.
فأمّا مولده فبسرّ من رأى في ثالث وعشرين من شهر رمضان سنة ثمان وخمسين ومائتين للهجرة.
وأمّا نسبه أباً واُمّاً، فأبوه أبو محمّد الحسن الخالص بن عليّ المتوكّل بن محمّد القانع بن عليّ الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصّادق بن محمّد الباقر ابن عليّ زين العابدين بن الحسين الزكي بن عليّ المرتضى أميرالمؤمنين، وقد تقدّم ذكر ذلك مفصّلاً، واُمّه اُمّ ولد تسمّى صقيل، وقيل حكيمة، وقيل غير ذلك.
وأمّا اسمه فمحمّد، وكنيته أبوالقاسم، ولقبه الحجّة، والخلف الصالح، وقيل: المنتظر.
وأمّا ما ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في المهدي عليه السلام من الأحاديث الصحيحة.
فمنها: ما نقله الإمامان أبو داود والترمذي رضي الله عنهما، كلّ واحد منهما بسنده في صحيحه يرفعه إلى أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: المهديّ منّي أجلى الجبهة، وأقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، ويملك سبع سنين.
ومنها: ما أخرجه أبو داود رحمه الله بسنده في صحيحه يرفعه إلى عليّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لو لم يبق من الدهر إلاّ يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما مُلئت جوراً.
ومنها: ما رواه أيضاً أبو داود رضي الله عنه في صحيحه يرفعه بسنده إلى اُمّ سلمة زوج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: المهدي من عترتي من ولد فاطمة.
ومنها: ما رواه القاضي أبو محمّد الحسين بن مسعود البغوي رضي الله عنه في كتابه المسمّى بشرح السنّة، وأخرجه الإمامان البخاري ومسلم كلّ واحد منهما بسنده في صحيحه يرفعه إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم.
ومنها: ما أخرجه أبو داود والترمذي بسندهما في صحيحيهما، يرفعه كلّ واحد منهما بسنده إلى عبدالله بن مسعود أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يبعث الله رجلاً منّي ومن أهل بيتي، يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
وفي رواية اُخرى: لا تنقضي الدنيا حتّى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي.
وفي رواية اُخرى: إنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: يلي رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي.
هذه الروايات عن أبي داود والترمذي.
ومنها: ما نقله الإمام أبو إسحاق أحمد بن محمّد الثعلبي في تفسيره يرفعه بإسناده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: نحن ولد عبدالمطّلب سادة أهل الجنّة: أنا وحمزة وجعفر وعليّ والحسن والحسين والمهدي.
قال المعترض: هذه الأحاديث النبويّة الكثيرة بتعدادها المصرّحة بجملتها وإفرادها، متّفق على صحّة إسنادها ومجمع على نقلها عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإيرادها، وهي صحيحة صريحة في إثبات كون المهدي من ولد فاطمة عليها السلام، وأنّه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنّه من عترته، وأنّه من أهل بيته، وأنّ اسمه يواطىء اسمه، وأنّه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وأنّه من ولد عبدالمطّلب، وأنّه من سادات الجنّة، وذلك ممّا لا نزاع فيه، غير أنّ ذلك لا يدلّ على أنّ المهدي الموصوف بما ذكره صلّى الله عليه وسلّم من الصفات والعلامات هو هذا أبوالقاسم محمّد بن الحسن الحجّة الخلف الصّالح; فإنّ ولد فاطمة عليها السلام كثيرون، وكلّ من يولد من ذرّيّتها إلى يوم القيامة يصدق عليه أنّه من ولد فاطمة وأنّه من العترة الطاهرة وأنّه من أهل البيت عليهم السلام، فتحتاجون مع هذه الأحاديث المذكورة إلى زيادة دليل على أنّ المهدي المراد هو الحجّة المذكور، ليتمّ مرامكم.
فجوابه: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا وصف المهدي عليه السلام بصفات متعدّدة، من ذكر اسمه ونسبه ومرجعه إلى فاطمة عليها السلام وإلى عبدالمطّلب، وأنّه أجلى الجبهة أقنى الأنف، وعدّد الأوصاف الكثيرة التي جمعتها الأحاديث الصّحيحة المذكورة آنفاً، وجعلها علامة ودلالة على أنّ الشخص الذي يسمّى بالمهدي ويثبت له الأحكام المذكورة هو الشخص الذي اجتمعت تلك الصفات فيه، ثمّ وجدنا تلك الصفات المجعولة علامة ودلالة مجتمعة في أبي القاسم محمّد الخلف الصّالح دون غيره، فيلزم القول بثبوت تلك الأحكام له وأنّه صاحبها، وإلاّ فلو جاز وجود ما هو علامة ودليل ولا يثبت ما هو مدلوله، قدح ذلك في نصبها علامة ودلالة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وذلك ممتنع.
فإن قال المعترض: لا يتمّ العمل بالعلامة والدلالة إلاّ بعد العلم باختصاص من وجدت فيه بها دون غيره وتعيّنه لها، فأمّا إذا لم يعلم تخصيصه وانفراده بها فلا يحكم له بالدلالة، ونحن نسلّم أنّ من زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى ولادة الخلف الصالح الحجّة محمّد عليه السلام، ما وجد من ولد فاطمة عليها السلام شخص جمع تلك الصّفات التي هي العلامة والدّلالة، غيره، لكن وقت بعثة المهدي وظهوره وولايته هو في آخر أوقات الدنيا، عند ظهور الدجّال ونزول عيسى بن مريم، وذلك سيأتي بعد مدّة مديدة، ومن الآن إلى ذلك الوقت المتراخي الممتد أزمان متجدّدة، وفي العترة الطاهرة من سلالة فاطمة عليها السلام كثرة يتعاقبون ويتوالدون إلى ذلك الآن، فيجوز أن يولد من السّلالة الطاهرة والعترة النبويّة من يجمع تلك الصّفات فيكون هو المهدي المشار إليه في الأحاديث المذكورة، ومع هذا الإحتمال والإمكان كيف يبقى دليلكم مختصّاً بالحجّة المذكور؟
فالجواب: إنّكم إذا عرفتم أنّه إلى وقت ولادة الخلف الصّالح وإلى زماننا، لم يوجد من جمع تلك الصّفات والعلامات بأسرها سواه، فيكفي ذلك في ثبوت تلك الأحكام له عملاً بالدلالة الموجودة في حقّه، وما ذكرتموه من احتمال أن يتجدّد مستقبلاً في العترة الطّاهرة من أن يكون بتلك الصفات، لا يكون قادحاً في إعمال الدلالة وما مانعاً من ترتيب حكمها عليها; فإنّ دلالة الدليل راجحة لظهورها، واحتمال تجدّد ما يعارضها مرجوح، ولا يجوز ترك الراجح بالمرجوح; فإنّه لو جوّزنا ذلك لامتنع العمل بأكثر الأدلّة المثبتة للأحكام، إذ ما من دليل إلاّ وإحتمال تجدّد ما يعارضه متطرّق إليه، ولم يمنع ذلك من العمل به وفاقاً.
والذي يوضح ذلك ويؤكّده: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما أورد به الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه يرفعه بسنده قال لعمر بن الخطّاب: يأتي عليك مع إمداد أهل اليمن أويس بن عامر من مراد ثمّ قرن، كان به برص فبرأ منه إلاّ موضع درهم، له والدة هو بها برّ، لو أقسم على الله لأبرّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل، فالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذكر اسمه ونسبه وصفته، وجعل ذلك علامة ودلالة على أنّ المسمّى بذلك الإسم المتّصف بتلك الصّفات لو أقسم على الله لأبرّه، وأنّه أهل لطلب الإستغفار منه، وهذه منزلة عالية ومقام عند الله تعالى عظيم.
فلم يزل عمر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبعد وفاة أبي بكر رضي الله عنه يسأل إمداد اليمن من الموصوف بذلك حتّى قدم وفد من اليمن، فسألهم، فاُخبر بشخص متّصف بذلك، فلم يتوقّف عمر رضي الله عنه في العمل بتلك العلامة والدّلالة التي ذكرها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بل بادر إلى العمل بها واجتمع به وسأله الإستغفار وجزم أنّه المشار إليه في الحديث النّبوي لمّا علم تلك الصفات فيه، مع وجود احتمال أن يتجدّد في وفود اليمن مُستقبلاً من يكون بتلك الصّفات، فإنّ قبيلة مراد كثيرة والتوالد فيها كثير، وعين ما ذكرتموه من الإحتمال موجود.
وكذلك قضيّة الخوارج لمّا وصفهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بصفات ورتّب عليها حكمهم، ثمّ بعد ذلك لمّا وجدها عليّ رضي الله عنه موجودة في أولئك في واقعة حرورا والنهروان، جزم بأنّهم هم المرادون بالحديث النّبوي وقاتلهم وقتلهم، فعمل بالدلالة عند وجود الصّفة مع احتمال أن يكون المرادون غيرهم، وأمثال هذه الدلالة والعمل بها مع قيام الإحتمال كثيرة، فعلم أنّ الدلالة الرّاجحة لا تترك لاحتمال المرجوح.
ونزيده بياناً وتقريراً فنقول: لزوم ثبوت الحكم عند وجود العلامة والدلالة لمن وجدت فيه، أمر يتعيّن العمل به والمصير إليه، فمن تركه وقال بأنّ صاحب الصّفات المراد بإثبات الحكم له ليس هو هذا بل شخص غيره سيأتي، فقد عدل عن النّهج القويم ووقف نفسه موقف اللّئيم.
ويدلّ على ذلك: أنّ الله عزّ وعلا لمّا أنزل في التوراة على موسى أنّه يبعث النبيّ العربيّ في آخر الزّمان خاتم الأنبياء، ونعته بأوصافه وجعلها علامة ودلالة على إثبات حكم النبوّة له، وصار قوم موسى عليه السلام يذكرونه بصفاته ويعلمون أنّه يبعث، فلمّا قرب زمان ظهوره وبعثه صاروا يهدّدون المشركين به ويقولون: سيظهر الآن نبيّ نعته كذا وصفته كذا ونستعين به على قتالكم، فلمّا بعث صلّى الله عليه وسلّم ووجدوا العلامات والصّفات بأسرها التي جعلت دلالة على نبوّته أنكروه وقالوا: ليس هو هذا بل هو غيره وسيأتي، فلمّا جنحوا إلى الاحتمال وأعرضوا عن العمل بالدلالة الموجودة في الحال، أنكر الله تعالى عليهم كونهم تركوا العمل بالدلالة التي ذكرها لهم في التوراة، وجنحوا إلى الإحتمال، وهذه القصّة من أكبر الأدلّة وأقوى الحجج على أنّه يتعيّن العمل بالدلالة بعد وجودها، وإثبات الحكم لمن وجدت تلك الدلالة فيه.
فإذا كانت الصفات التي هي علامة ودلالة لثبوت الأحكام المذكورة موجودة في الحجّة الخلف الصالح محمّد، تعيّن إثبات كونه المهدي المشار إليه من غير جنوح إلى احتمال تجدّد غيره في الإستقبال.
فإن قال المعترض: نسلّم أنّ الصفات المجعولة علامة ودلالة إذا وجدت تعيّن العمل بها ولزوم إثبات مدلولها لمن وجدت فيه، لكن نمنع وجود تلك العلامة والدلالة في الخلف الصالح محمّد، فإنّ من جملة الصفات المجعولة علامة ودلالة: أن يكون اسم أبيه مواطئاً لاسم أب النبي صلّى الله عليه وسلّم، هكذا صرّح به الحديث النبويّ على ما أوردتموه، وهذه الصفة لم توجد فيه، فإنّ اسم أبيه الحسن واسم أب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عبدالله، وأين الحسن من عبدالله؟ فلم توجد هذه الصفة التي هي جزء من العلامة والدلالة، وإذا لم يوجد جزء العلّة لا يثبت حكمها; فإنّ الصفات الباقية لا تكفي في إثبات تلك الأحكام، إذ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يجعل تلك الأحكام ثابتة إلاّ لمن اجتمعت تلك الصفات فيه كلّها التي جزءها مواطاة اسمي الأبوين في حقّه، وهذه لم تجتمع في الحجّة الخلف، فلا يثبت تلك الأحكام له، وهذا إشكال قوي.
فالجواب: لابدّ قبل الشروع في تفصيل الجواب، من بيان أمرين يبنى عليهما الغرض:
الأوّل: إنّه شائع في لسان العرب إطلاق لفظة الأب على الجدّ الأعلى، وقد نطق القرآن الكريم بذلك فقال تعالى: ( ملّة أبيكم إبراهيم ) وقال تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: ( واتّبعت ملّة آبائي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق )ونطق بذلك النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حديث الإسراء إنّه قال: قلت: من هذا؟ قال: أبوك إبراهيم; فعلم أنّ لفظة الأب تطلق على الجدّ وإن علا; فهذا أحد الأمرين.
الثاني: إنّ لفظة الإسم تطلق على الكنية وعلى الصفة، وقد استعملها الفصحاء ودارت بها ألسنتهم ووردت في الأحاديث، حتّى ذكر الإمامان البخاري ومسلم رضي الله عنهما، كلّ منهما يرفعه إلى سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أنّه قال عن عليّ رضي الله عنه: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سمّاه بأبي تراب ولم يكن له اسم أحبّ إليه منه، فأطلق لفظة الإسم على الكنية، ومثل ذلك قول الشاعر:
إنّي اُجِلّ قدرك أن اسمي مؤنته *** ومن كناك فقد سماك للعرب
ويروى: ومن يصفك، فأطلق التسمية على الكناية أو الصفة، وهذا شائع ذائع في لسان العرب.
فإذا وضح ما ذكرناه من الأمرين، فاعلم أيّدك الله بتوفيقه: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان له سبطان: أبو محمّد الحسن وأبو عبدالله الحسين، ولمّا كان الحجّة الخلف الصّالح محمّد عليه السلام ومن ولد أبي عبدالله الحسين ولم يكن من ولد أبي محمّد الحسن، وكانت كنية الحسين أباعبدالله، فأطلق النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على الكنية لفظ الإسم لأجل المقابلة بالإسم في حقّ أبيه، وأطلق على الجدّ لفظة الأب، فكأنّه قال: يواطىء اسمه اسمي فهو محمّد، وأنا محمّد، وكنية جدّه اسم أبي، إذ هو أبو عبدالله وأبي عبدالله، لتكون تلك الألفاظ المختصرة جامعة لتعريف صفاته وإعلام أنّه من ولد أبي عبدالله الحسين بطريق جامع موجز، وحينئذ تنتظم الصّفات وتوجد بأسرها مجتمعة للحجّة الخلف الصالح محمّد عليه السلام، وهذا بيان شاف كاف في إزالة ذلك الإشكال، فافهمه.
وأمّا ولده، فلم يكن له ولد ليذكر، لا اُنثى ولا ذكر.
وأمّا عمره، فإنّه في أيّام المعتمد على الله خاف فاختفى وإلى الآن فلم يمكن ذكر ذلك، إذ من غاب وإن انقطع خبره لا توجب غيبته وانقطاع خبره الحكم بمقدار عمره ولابانقضاء حياته، وقدرة الله تعالى واسعة وحكمه وألطافه بعباده عظيمة عامّة، ولو رام عظماء العلم أن يدركوا حقائق مقدوراته وكنه قدرته لم يجدوا إلى ذلك سبيلاً، ولانقلب طرف تطلّعهم إليه حسيراً وحدّه كليلاً، ولتلا عليهم لسان عجزهم عن الإحاطة به ( وما اُوتيتم من العلم إلاّ قليلاً )(1)، وليس ببدع ولا مستغرب تعمير بعض عباد الله المخلصين ولا امتداد عمره إلى حين، فقد مدّ الله سبحانه وتعالى أعمار جمع كثير من خلقه من أصفيائه وأوليائه ومن مطروديه وأعدائه.
فمن الأصفياء عيسى عليه السلام، ومنهم الخضر عليه السلام، وخلق آخرون من الأنبياء عليهم السلام طالت أعمارهم حتّى جاز كلّ واحد منهم ألف سنة أو قاربها كنوح عليه السلام وغيره.
وأمّا من الأعداء المطرودين فإبليس، وكذلك الدجّال، ومن غيرهم كعاد الاُولى كان فيهم مَنْ عمره ما يقارب الألف، وكذلك لقمان صاحب البلاء، وكلّ هذا لبيان اتّساع القدرة الربانيّة في تعمير بعض خلقه، فأيّ مانع يمنع من امتداد عمر الخلف الصالح إلى أن يظهر فيعمل ما حكم الله تعالى له به.
وحيث وصل الكلام إلى هذا المقام وانتهى جريان القلم بما خطّه من هذه الأقسام الوسام، فلنختمه بالحمد لله ربّ العالمين، فإنّها كلمة مباركة جعلها الله سبحانه وتعالى آخر دعوى أهل جنانه وخصّها بمن اجتباه من خلقه وكساه ملابس رضوانه»(2).

(1) سورة الإسراء 17:85 .
(2) مطالب السئول في مناقب آل الرسول : 311 ـ 320 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *