توهين الاستدلال بالنصّ الوارد في الردّ على العامّة

توهين الاستدلال بالنصّ الوارد في الردّ على العامّة
قال الشيخ:
إلاّ أنها ربما توهن بالنصّ الوارد في الردّ على العامّة الفارقين بين تزويج الوكيل المعزول مع جهله بالعزل وبين بيعه، بالصحّة في الثاني والبطلان في الأول… سبحان الله ما أجور هذا الحكم وأفسده، فإن النكاح أولى وأجدر أن يحتاط فيه.
والرواية المشار إليها مطوّلة، وهي:
عن العلاء بن سيابة قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن امرأة وكّلت رجلا بأن يزوّجها من رجل، فقبل الوكالة، فأشهدت له بذلك، فذهب الوكيل فزوّجها، ثمّ إنّها أنكرت ذلك الوكيل، وزعمت أنّها عزلته عن الوكالة، فأقامت شاهدين أنّها عزلته.
فقال: ما يقول من قبلكم في ذلك؟
قال: قلت: يقولون: ينظر في ذلك، فإن كانت عزلته قبل أن يزوّج فالوكالة باطلة، والتزويج باطل، وإن عزلته وقد زوّجها فالتزويج ثابت على مازوّج الوكيل، وعلى ما اتفق معها من الوكالة إذا لم يتعدّ شيئاً ممّا أمرت به واشترطت عليه في الوكالة.
قال: ثم قال: يعزلون الوكيل عن وكالتها ولم تعلمه بالعزل؟
قلت: نعم يزعمون أنّها لو وكّلت رجلا وأشهدت في الملأ وقالت في الملأ: إشهدوا أنّي قد عزلته، أبطلت وكالته بلا أن يعلم بالعزل، وينقضون جميع ما فعل الوكيل في النكاح خاصّة، وفي غيره لايبطلون الوكالة إلاّ أن يعلم الوكيل بالعزل، ويقولون: المال منه عوض لصاحبه، والفرج ليس منه عوض إذا وقع منه ولد.
فقال عليه السلام: سبحان الله، ما أجور هذا الحكم وأفسده؟ إنّ النكاح أحرى وأحرى أن يحتاط فيه وهو فرج، ومنه يكون الولد. إنّ عليّاً عليه السلام أتته امرأة تستعديه على أخيها. فقالت: يا أمير المؤمنين، إنّي وكّلت أخي هذا بأن يزوّجني رجلا وأشهدت له ثمّ عزلته من ساعته تلك، فذهب فزوّجني ولي بيّنة أنّي قد عزلته قبل أن يزوّجني، فأقامت البيّنة، فقال الأخ: يا أمير المومنين إنّها وكّلتني ولم تعلمني أنّها عزلتني عن الوكالة، حتّى زوّجتها كما أمرتني.
فقال لها: ما تقولين؟
قالت: قد أعلمته يا أمير المؤمنين.
فقال لها: ألك بيّنة بذلك؟
فقالت: هؤلاء شهودي يشهدون.
قال لهم: ما تقولون؟ فقالوا: نشهد أنّها قالت: إشهدوا أنّي قد عزلت أخي فلاناً عن الوكالة بتزويجي فلاناً، وإنّي مالكة لأمري قبل أن يزوّجني.
فقال: أشهدتكم على ذلك بعلم منه ومحضر؟
فقالوا: لا.
فقال: تشهدون أنّها أعلمته بالعزل كما أعلمته الوكالة؟
قالوا: لا.
قال: أرى الوكالة ثابتة، والنكاح واقعاً. أين الزوج؟
فجاء فقال: خذ بيدها بارك الله لك فيها.
فقالت: يا أميرالمؤمنين، أحلفه أنّي لم أعلمه العزل ولم يعلم بعزلي إيّاه قبل النكاح.
قال: وتحلف؟
قال: نعم يا أميرالمؤمنين، فحلف فأثبت وكالته وأجاز النكاح.(1)
فبناءً على هذا النص، يعترض الشيخ ـ على الفقهاء المستدلّين ـ بما حاصله: أن مقتضى حكم الإمام عليه السّلام هو أن صحّة المعاملة الماليّة الواقعة في كلّ مقام، تستلزم صحّة النكاح الواقع بطريق أولى، وحينئذ، فلا يجوز التعدّي من صحّة النكاح في مسألة الفضولي إلى صحّة البيع، والاستدلال بصحّة النكاح على صحّة البيع، لأنه مخالف لحكم الإمام ومطابق لحكم العامّة، حيث عكسوا وحكموا بصحّة البيع دون النكاح.
أقول:
ما هي الفحوى؟ وما هو تنقيح المناط؟
إذا اُحرز ملاك الحكم في موضوع، ثم علم بوجوده في موضوع آخر، بحيث يكون كلاهما من مصاديق الملاك الواحد، حكم على الثاني بنفس حكم الأوّل، ويسمّى في الإصطلاح بتنقيح المناط.
أمّا لو كان الملاك في الموضوع الثاني أقوى منه في الأوّل، فيسمّى بالفحوى والأولويّة.
وعلى الجملة، فإن الموضوع في الحقيقة هو الملاك، والحكم يترتّب عليه، وأمّا مع احتمال دخل خصوصيّة المورد في الملاك، فالتعدّي عنه إلى غيره قياس وهو غير جائز.
ثم إنّ النكاح على أنحاء: الزواج الدائم، والزواج المنقطع، ونكاح ملك اليمين، والتحليل، عدم ذكر المهر، تقدّم القبول على الإيجاب، النكاح بنحو الاستدعاء… فهل يدلّ كثرة أنحاء النكاح على أهميّة ملاكه أو على السّهولة؟
وأهميّة الشيء قد تكون من جهة الإهتمام بشأنه بحدّ ذاته، وقد تكون من جهة دفع محذور أهم.
ولا يبعد أن يكون الحكمة في التوسعة في أسباب النكاح وتشريعه على أنحاء متعدّدة، هي الفرار من الوقوع في الزنا، وإذا كان لخصوصيّة هذه الحكمة دخل في الملاك، فلا مجال للتعدّي عنه إلى غيره.
وتلخّص مما ذكرنا:
أوّلاً: إنّ التعدّي من النكاح يتوقّف على إحراز كون الملاك الذي اقتضى قبول الفضولي فيه، أقوى منه في غيره من العقود، ولكن لا طريق لنا إلى إحراز ذلك، فلا يجوز التعدّي.
وثانياً: إن الحكمة في الإهتمام بالنكاح والّتي اقتضت التوسعة في أسبابه، هي الفرار من محذور الوقوع في الزّنا، وهذا المعنى غير موجود في سائر العقود، فلا يجوز التعدّي منه إليها.

(1) وسائل الشيعة 19 / 163 ـ 164 كتاب الوكالة، الباب 2 رقم: 2.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *