و تفصيل الكلام يتمّ ضمن مباحث

و تفصيل الكلام يتمّ ضمن مباحث:
1 ـ أن يكون الإكراه على الجامع الحقيقي ويكون ذا أثر، أو يكون الإكراه على أحد أمرين كلّ منهما ذو أثر، وكلاهما تكليفي أو وضعي.
وفيه ثمان صور.
2 ـ أن يكون الإكراه على أحد الفردين، ولأحدهما أثر دون الآخر.
3 ـ أن يكون الأمران مختلفين، فأحدهما وضعي والآخر تكليفي.

المبحث الأوّل
أن يكون الإكراه على الجامع أو أحد الفردين ويكونان تكليفيين أو وضعيين، وكلاهما ذو أثر.
فإن كان الوقت مضيّقاً، والأثر على نسق واحد، كان كلّ منهما لو وجد وجد مكرهاً عليه، سواء كان الإكراه على الجامع أو أحد الفردين. نعم، بينهما فرق من حيث أنّ الخصوصيّة غير داخلة في حيّز الإكراه على الأوّل، وهي داخلة على الثاني، لكنّ الشيخ لم يفرّق، والأمر سهل.
وإنْ كان الأثر مختلفاً، بأنْ كان لأحدهما أثر زائد، لم يدخل الزائد في حيّز الإكراه، كأن يكون منهيّاً عنه من والده أو مغصوباً أو في وقت النداء، وإذ لم يكن في حيّز الإكراه لم يجز له اختياره. وكذا لو كان أحد الفردين أهم شرعاً من الآخر، كأن اكره على الكذب أو قتل النفس المحترمة، إذ يقع التزاحم ويتقدّم أخف المحذورين في الارتكاب على الآخر.
وإنْ كان الوقت موسّعاً، يتّسع لكليهما أو أحدهما، فقد فرّق الميرزا(1): بأنه: إن كان الإكراه على أحد المحرّمين، لم يجز له المبادرة، بل عليه أن يصبر حتى آخر الوقت، لعدم الإكراه على فرد أوّل الوقت، وأمّا لو كان على أحد البيعين، وكان وقت أحدهما موسعاً والآخر مضيّقاً، فله أن يبادر.
وفيه نظر، لأن المحذور مترتب على تركهما معاً، والذي يحقّق ذلك هو الترك في آخر الوقت، وحينئذ، لا يكون البيع في أوّل الوقت مكرهاً عليه، إلاّ أن يقال بأنّ بيعه حينئذاك لا عن طيب نفس بل جرياً على الإكراه.
أمّا لو كان المكره عليه هو الجامع، فليس له أن يبادر مطلقاً، لأن المحذور يترتب على ترك الفرد الأخير.

المبحث الثاني
أن يكون الإكراه على أمرين أحدهما تكليفي والآخر وضعي، وكلاهما ذو أثر، كأن يقول: بع دارك أو اشرب هذا المسكر، فالأمر مردّد بين المباح والحرام. وعليه أنْ يبيع ويجتنب المسكر. وبيعه باطل، لعدم كونه عن طيب نفس.

المبحث الثالث
أنْ يكون الإكراه على كلّي، لأحد الفردين أثر تكليفاً أو وضعاً دون الآخر، أو لكليهما أثر لكنّ أحدهما يرتفع مع الإكراه دون الآخر.
ذكر الشيخ أمثلةً من غير بيان للفرق بينها، فنقول:
تارةً: يكون الإكراه على الكلّي الطبيعي الذي له فردان أحدهما مباح والآخر حرام، أو أحدهما بيع ذو أثر والآخر بيع بلا أثر.
واخرى: يكون الإكراه على أحد أمرين، أحدهما مباح أو ذو أثر، والآخر حرام أو لا أثر له.
فلو اُكره على الكلّي الطبيعي كالشرب وأحد فرديه حرام والآخر مباح، لم يجز له إيجاد الكلّي في ضمن الحرام، لعدم كونه مكرهاً على الخصوصيّة.
ولو اُكره على الكلّي كالبيع، وأحد فرديه صحيح ذو أثر كبيع الدار، والآخر فاسد لا أثر له كبيع آلة القمار، فأمّا الكلّي فلا أثر له، لأنّ الجامع بين ماله الأثر وما لا أثر له لا يعقل أن يكون ذا أثر، وأمّا الخصوصيّتان فليستا داخلتين تحت الإكراه، فلو أوجد الجامع في ضمن الفرد الصحيح، كان البيع صحيحاً نافذاً، لأنه غير مكره عليه.
وقال شيخنا الاستاذ: إنه لابدّ أنْ يوجد الكلّي مقارناً لاحدى الخصوصيّتين، وهذه اللابدّية تفيد الإضطرار، فلو أوقع البيع الصحيح فقد أوقع أحد الفردين المضطرّ إليهما، فيكون باطلاً.
ثم أجاب: بأنّ هذا الإضطرار مقدّمة لرفع المحذور المتوعّد به، كما لو اضطرّ لبيع داره ليؤدّي دينه، فالبيع صحيح نافذ(2).
ولو اُكره على شرب أحد الكأسين، أحدهما حرام والآخر مباح، فالخصوصيّتان داخلتان تحت الإكراه، لكن خصوصيّة الكأس المحرّم لها بدل وليست الضّرورة بالنسبة إليها مطلقةً، فليس بمكره عليها ولا يجوز له شربه.
ولو اُكره على أحد البيعين، أحدهما صحيح والآخر فاسد، قال الشيخ: لو باع البيع الصحيح وقع صحيحاً لعدم كونه مكرهاً عليه بخصوصه.
قال المحقق الخراساني: ظاهره أنّ ترتّب الأثر على أحد الأمرين اللّذين اُكره على أحدهما دون الآخر يمنع عن وقوعه مكرهاً عليه، فلو اختاره لترتّب عليه أثره. وأنت خبير بأن اختلافهما في الترتّب وعدمه لايوجب تفاوتهما في الوقوع كرهاً، ضرورة أن الفرض أنه لولا الإكراه لما اختار واحداً منهما واختار أحدهما لا محالة عن داع آخر مطلقاً اختصّ بالأثر أمْ لا، كما لا يخفى. وبالجملة: يكون الإكراه على أحد الأمرين كافياً في وقوع ما اختاره مكرهاً عليه مطلقاً، كان لواحد منهما بخصوصه أثر أو كان لخصوص أحدهما. نعم، يمكن أن يقال: إن دليل ذي الأثر في الفرض أظهر، ففيما لو اكره مثلا على مباح أو محرّم، أو عقد فاسد أو صحيح، يقدّم دليله على دليل رفع الإكراه كما يقدّم لذلك دليل رفعه على دليله في غير مقام(3)
وكذا قال شيخنا الاستاذ رحمه الله(4).
فهما قائلان بفساد البيع، لأن ترتب الأثر على الأمرين أمر، والإكراه على أحدهما أمر آخر، ومناط الفساد هو الإكراه وهو فيهما على حدٍّ سواء.
أقول:
هنا مقدّمات:
1 ـ البيع الصّادر من العاقل الملتفت ظاهر في أنه قاصد للتمليك بطيب النفس.
2 ـ الإكراه بوجوده الخارجي لا يوجب بطلان البيع، لأنه قد يبيع في ظرف الإكراه عن داع شخصي نفساني، فيقع صحيحاً، فالإكراه الموجب للبطلان هو ما يكون سبباً للبيع ويتحقق ذلك جرياً على الإكراه.
3 ـ لو باع الشئ مكرهاً عليه مع تمكّنه من التفصّي، لكنه تركه لمحذور أو صعوبة، لم يكن بيعه عن الإكراه وإن كان مقترناً به.
وبعد:
فتارةً: المكره له غرض واحد لكنّه يُردّد بين الأمرين، ولمّا كان الغرض الواحد لا يعقل أنْ يترتب على أمرين متباينين، فلابدّ وأنْ يتعلّق بالجامع بينهما ـ وإنْ كان بعيداً ـ ويترتّب عليه، ويكون هو المكره عليه، ولا يدخل الخصوصيّتان تحت الإكراه، وحينئذ، فلو اختار المكلّف البيع الصحيح، كان صحيحاً، والحق مع الشيخ.
واخرى: يكون للمكره غرضان، وكلّ منهما قائم بأمر أحدهما ذو أثر والآخر لا أثر له، فيكره على أحدهما فقط لعدم إمكانه الإكراه على كليهما، والمكلّف قادر على التفصّي من المحذور بفعل ما لا أثر له، فلو اختار البيع الذي له أثر، وقع البيع صحيحاً كذلك.
نعم، لو كان المكره جاهلاً بفساد أحد البيعين إمّا موضوعاً أو حكماً، وكان يعتقد بصحّة الفردين، فاختار البيع الصّحيح المؤثّر، وقع باطلاً، وإنْ كان الذي أوقعه صحيحاً في نفس الأمر.
فقول المحقّقين المذكورين بالفساد مطلقاً في غير محلّه.
ثم إنّ الأمثلة الأربعة التي ذكرها مختلفة جدّاً:
فتارةً: الأمر يدور بين ماله الأثر وما لا أثر له.
واخرى: الأمر يدور بين أمرين يرتفع أثر أحدهما بالإكراه دون الآخر.
وثالثة: الأمر يدور بين ماله الأثر وما لا يترتب عليه الأثر بالإكراه ويترتب بغير الإكراه.
ورابعة: الأمر يدور بين ماله أثر تكليفي وماله أثر وضعي.
وليته ذكر الخامس وهو:
أن يدور الأمر بين ماله أثر يرتفع بالإكراه وما يتوقّف ترتب الأثر عليه على إجازة المالك، وحكمه حكم ما لو دار الأمر بين أمرين مباحين، لأنّ بيع مال الغير فضولةً ليس بمحرّم.
أمّا حكم ما لو اُكره على أمرين لهما أثر لكنّ أثر أحدهما يرتفع بالإكراه ولا يرتفع أثر الآخر به، كما لو تردّد أمر المفلّس الذي عليه بيع ما يملك، أي الجامع بين بيع دار سكناه وبيع متاع آخر، لكنّ أثر بيع داره يرتفع بالإكراه، لأنّ دار السّكنى مستثناة، دون المتاع، فالبيع في طرف الدّار منعقد، لأن خصوصيّة بيع هذه الدار لم تكن مورداً للإكراه.
ولو اُكره على أحد أمرين متباينين، كخصوصيّة بيع المتاع وخصوصيّة أداء الدين، فلو باع المتاع، قال الشيخ: هو صحيح، ووافقه الميرزا الاستاذ، لأنّ كلاًّ منهما ليس بعدل للآخر، إذ البيع يمكن الإكراه عليه فيرتفع بحديث الرفع، أمّا الرضا بأداء الدين فلا، فلو باع صحّ.
لكنّ التحقيق ـ وفاقاً للمحقق الخراساني وشيخنا الاستاذ ـ هو البطلان، لأنه كاره للبيع ولأداء الدين كليهما، فبيعه وقع عن الإكراه، والقابليّة للارتفاع لا أثر لها.

(1) منية الطالب 1 / 190.
(2) حاشية كتاب المكاسب 2 / 50 .
(3) حاشية المكاسب: 28.
(4) حاشية كتاب المكاسب 2 / 50 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *