التحقيق في المسألة

التحقيق في المسألة
وبعد:
فإن هذا المبحث مقدّمة للتطابق المعتبر في الإيجاب والقبول الذي بحث عنه في شرائط العقد، وفيه جهات من البحث:
الجهة الاولى:
هل يلزم أن يقصد ويعيّن الموجب من يريد تمليكه أو تزويجه أو الوصيّة إليه؟
إنّه يشترط تعيين الشخص ـ زائداً على تعيين العوضين ـ في كلّ معاملة يكون لتعيين الشخص فيها أثر، كما في بيع السّلم وبيع النسيئة، حيث لا يباع أو يشترى الشيء نسيئةً أو سلماً إلاّ ممّن يعرفه وثيق به ويعتمد عليه، وكذا في الزواج كما هو واضح، وفي الوصيّة، إذْ لا يوصى إلاّ إلى من كان ديّناً عاقلاً قادراً على تنفيذ الوصيّة، وفي الوقف، إذْ لا يوقف إلاّ على من يتحقّق به الغرض من الوقف.
فالقاعدة الكليّة هي أنه في كلّ مورد يختلف الغرض والمقصد بحسب الأشخاص، فلابدّ من تعيين الشّخص، سواء ـ سواء في النكاح والبيع والهبة وغيرها ـ في النيّة والقصد، حتى يحصل التطابق. وأمّا إذا لم يكن لتشخّص البائع أو المشتري دخل في الغرض، فلا يشترط التعيين، كما في البيع النقدي حيث يذهب الإنسان إلى السّوق لشراء ما يحتاج إليه، فإنّه يشتريه من أيّ أحد وجده عنده، وكذا البائع، فإنه يعرض متاعه للبيع من أيّ أحد اشتراه، لأن غرضه الكسب والانتفاع ليس إلاّ… وفي هذه الحالة يحصل التطابق قهراً.

الجهة الثانية:
في مقام الإثبات، لابدّ من تعيين الموجب والقابل في كلّ مورد يكون لخصوصيّة الشخص دخل، بأنْ يتلفّظ بالصّيغة ويصرّح بكونه موجباً أو قابلاً لنفسه أو لموكّله وغير ذلك، بحيث يكون كلامه ظاهراً في المقصود ويتحقّق التطابق بين الإيجاب والقبول، وأمّا مع عدم الدخل فلا، لأنّ إقامة الدليل إنما هي حيث يكون للمدلول أثر، ومع عدم الأثر للمدلول يكون ذكر الدليل لغواً.

الجهة الثالثة:
إنّ كاف الخطاب في العقود ظاهرة في الشخص، فلو قال «بعتك» كان المخاطب هو المباع له لأنها أداة إشارة، والمشار إليه دائماً جزئي، والإشارة إلى الكلّي بما هو كلّي لا معنى له، فلابدّ من رعاية الظهور الأوّلي فيها إلاّ مع التصريح بالخلاف، كأن يقول: بعتك بما أنت وكيل، وهكذا في سائر العقود… وعليه، فلو قال «بعتك» فقال: «قبلت لموكّلي» بطل، لعدم التطابق بين الإيجاب والقبول.
نعم، في كلّ مورد لم يكن لخصوصيّة الأشخاص دخل، يسقط ظهور الكاف وينعقد للكلام ظهور ثانوي في الأعم من الشخص وموكّله مثلاً، كما هو الحال في غالب البيوع والإجارات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *