مقدّمات التحقيق في المقام

مقدّمات التحقيق في المقام
ولنقدّم اموراً:
1 ـ إن الأحكام الشرعيّة على أنحاء:
فتارة: يترتب الحكم على الموضوع الواقعي، ولا دخل فيه لحال وصفة للمكلّف، فهو حكم يترتب على موضوعه على جميع التقادير، مثلاً: من احتلم أجنب، من أتلف ضمن، فلا دخل للكبر والصغر، والعمد والخطأ ولا غير ذلك.
واُخرى: يترتب على صفة خاصّة، مثل: من أفطر في شهر رمضان عامداً كفّر. ومن تظلّل في حال الإحرام عمداً كفّر… وهكذا… فالصّفة الخاصّة من المكلّف دخيلة في ترتّب الحكم على الموضوع.
وثالثة: يكون للمكلّف صفتان لكلّ حكم، مثلاً: التكلّم في الصّلاة إن كان عن عمد فحكمه البطلان، وإنْ كان عن سهو فالسّجدتان. والفرق بين القسمين الأخيرين واضح، لإنّ الحكم في الأول ينتفي بانتفاء موضوعه، فلو أفطر لا عن عمد لم يبطل صومه ولا كفارة عليه، وأمّا في الثاني، فالصفّتان موضوعان وقد جعل لكلٍّ منهما حكم.
2 ـ إن الحكومة على نحوين:
فتارة: تكون بلسان النفي، مثل: لا شك لكثير الشك، لا ربا بين الوالد والولد، فهو نفي للموضوع لساناً ونفيٌ للحكم لبّاً، فهو شك وربا ولكن لا أثر له شرعاً.
واخرى: تكون بلسان الإثبات، مثل: الطواف بالبيت صلاة، سين بلال شين عند الله، ومعنى ذلك: أنّ أثر المنزّل عليه مترتّب على المنزّل، فيعتبر أنْ يكون المنزّل عليه ذا أثر حتّى يتمّ التنزيل.
3 ـ إنّ الظهور الإطلاقي متوقف على إحراز أمرين:
أحدهما: كون المتكلّم في مقام البيان. والآخر: أن لا ينصب قرينةً، وإلاّ لم ينعقد الإطلاق. ولهذا، لو احتف الكلام بما يصلح للقرينيّة لم ينعقد الإطلاق، بل يمكن أنْ يكون وجوده لإفادة كونه في مقام الإجمال لا البيان.
4 ـ وحدة الحكم لشيئين يتصوّر في موردين:
أحدهما: أنْ يتوجّه الحكم إلى الجامع ويكون الشيئان فردين له، ويكونان سيّان حكماً. فيقال: هذان حكمهما واحد، أي لا مدخليّة لخصوصيّة الفرديّة في الحكم، بل هو للجامع وينطبق عليهما لكونهما فردين له. والآخر: أن يختلف حكم الشيئين ثم يرتفع الحكم الخاصّ بأحدهما عنه لعارض.
إذن: القول بأنّ هذين حكمهما واحد منحصر بالموردين المذكورين، وقولهم: «عمد الصبي وخطؤه واحد» من قبيل الثاني، فمعناه: أنّ الحكم المختصّ بصورة العمد مرتفع في صورة الخطأ.
5 ـ إن القصد في المعاملة عبارة اخرى عن الإرادة، وشرطيّة الإرادة فيها عقليّة، لأن المعاملة أمر إنشائي، والإنشاء أمر اختياري، ولا يعقل تحقّقه بلا قصد وإرادة.
6 ـ إن الحكومة إن كانت بلسان النفي للشيء، أفادت انتفاء ما كان يترتب عليه في حال وجوده من الآثار، فمفاد: لا شك لكثير الشكّ، هو انتفاء أثر الشك لا أن لعدم الشك أثر. وإن كانت بلسان الإثبات، اعتبر أن يكون للمنزّل عليه أثر حتى يترتب على المنزّل، كما في: المعتدّة الرجعيّة زوجة. أي يترتب بالرّجوع أثر الزوجيّة وهو وجوب النفقة مثلاً، وكذا في: الطّواف بالبيت صلاة، فإنّه يعتبر في الطواف ما يعتبر في الصّلاة وهو الطّهارة. وذلك، لأنّ الحكومة من قبيل الاستعارة، كقولهم زيد أسد، أي في الشّجاعة.
7 ـ إنه إذا لزم تخصيص الأكثر في مورد امتنع انعقاد الظهور العمومي والظهور الإطلاقي، لأنّ المولى عند بيان العام أو المطلق يريد تأسيس قاعدة كليّة، وذلك يكون بما إذا كان بنحو الموجبة الكليّة، فلو جاء المخصّص أو المقيّد كان الخارج بنحو الموجبة الجزئيّة، وأمّا لو قيّد أو خصّص بكثرة بحيث يكون الباقي تحت العام أو المطلق جزئيّاً، كان منافياً لضرب القاعدة التي يقصد التمسّك بها في الموارد المشكوكة. وعليه، فلو وقع في مورد من كلام المولى خروج الأكثر، كشف عن عدم إرادته تأسيس القاعدة الكليّة فيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *