النظر في الطائفة الثانية

النظر في الطائفة الثانية
(الطائفة الثانية) واستدلّ أيضاً بالخبر عن حمزة بن حمران عن حمران، قال:
سألت أبا جعفر عليه السّلام قلت له: متى يجب على الغلام أن يؤخذ بالحدود…؟ فقال: إذا احتلم… قلت: فالجارية متى… ؟
قال عليه السّلام: إنّ الجارية ليست مثل الغلام، إنّ الجارية إذا تزوّجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها مالها وجاز أمرها في الشراء والبيع واُقيمت عليها الحدود التامّة… والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولايخرج عن اليتم حتى يبلغ…(1).
وعن أبي الحسين الخادم بيّاع اللؤلؤ عن أبي عبدالله عليه السّلام: قال سأله أبي ـ وأنا حاضر ـ عن اليتيم متى يجوز أمره؟
قال عليه السّلام: حتّى يبلغ أشدّه.
قال: وما أشدّه؟
قال: احتلامه(2).
وعنه: عن اليتيم متى يجوز أمره؟
فقال عليه السّلام: حين يبلغ أشدّه.
قلت: وما أشدّه؟
قال: الاحتلام.
قلت: قد يكون الغلام ابن ثمان عشرة سنة لا يحتلم أو أقل أو أكثر.
قال: إذا بلغ ثلاث عشرة سنة كتب له الحسن وكتب عليه السّي وجاز أمره إلاّ أن يكون سفيهاً أوضعيفاً.(3)
وعن عبدالله بن سنان… عن قول الله عزّوجلّ (حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) قال: الاحتلام.
قال فقال: يحتلم في ست عشرة وسبع عشرة ونحوها.
فقال: لا، إذا أتت عليه ثلاث عشرة… جاز أمره إلاّ أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً.
فقال: وما السفيه؟
فقال: الذي يشتري الدرهم بأضعافه.
قال: وما الضعيف؟
قال: الأبله(4)
وعن الصّدوق: قال أبو عبدالله: إذا بلغت الجارية تسع سنين دفع إليها مالها وجاز أمرها في مالها…(5)
قال الشيخ:
لكنّ الإنصاف: أن جواز الأمر في هذه الروايات ظاهر في استقلاله في التصرّف، لأن الجواز مرادفٌ للمضيّ…
ويؤيّده: ظاهر إضافة «الأمر» إلى «الشخص».

قال:
فلا ينافي عدمه ثبوت الوقوف على الإجازة، كما يقال: بيع الفضولي غير ماض بل موقوف.
أي: إنّ لعقد الصبيّ صحّة تأهليّة، فكما يتوقف بيع الفضولي على إجازة المالك، فإذا أجاز جاز البيع، كذلك بيع الصبيّ، يتوقّف على إجازة الوليّ، فإذا أجاز جاز، فاستدلال المشهور بهذه الروايات على أنّ قصد الصبيّ كلا قصد مردود، لأنّها تدلّ على عدم الجواز بنحو الإستقلال.

قال:
ويشهد له الاستثناء في بعض تلك الأخبار بقوله: إلاّ أنْ يكون سفيهاً…
أقول:
وحاصل الكلام: إنه إن كان الأمر راجعاً إلى الغير ـ كأنْ يكون الصبيّ وكيلاً في بيع مال الغير ـ فهذا خارج عن الروايات الظّاهرة في كون الأمر أمره موضوعاً، وإنْ كان الأمر أمر الصّبي، فهو موقوف على إذن الولي، والروايات لا تنفي صحّة عقده إذا كان بإذنه، وإنما تنفي استقلاله في التصرّف، ويشهد له الاستثناء المذكور، فلا دلالة للروايات على سلب عبارته.
فإن قلت:
قد دلّت الأخبار على أنه إذا كان بالغاً جاز أمره، وهذا واضح، أمّا عدم جواز أمره في حال الصّغر، فيمكن أنْ يكون للغويّة معاملته، أو لوجود المانع وهو الاستقلال، أو لعدم الشرط وهو إذن الولي.
وبعبارة اخرى: عدم جواز أمره في حال صغره يمكن أن يكون لفقد عقده للشّرط وهو إذن الولي، أو لوجود المانع عنه وهو استقلاله، كما يمكن أن يكون من جهة أن قصده كلا قصد. أمّا السّفيه، فقد علم من الخارج انتفاء الشرط في معاملته، فلا يصلح لأن يكون شاهداً على أنّ الموجب لعدم الجواز في الصبيّ فقدان الشرط كذلك.
وعلى الجملة، فإنّ الروايات بالنسبة إلى سبب عدم جواز أمر الصبيّ مجملة، فلا ظهور لها ليستدلّ بها على سلب عبارته أو لتوقف عقده على الإذن.
قلت:
قد تقرّر في الاصول: أنّ المخصّص المنفصل إن كان مجملاً يؤخذ بالقدر المتيقّن منه، ويبقى العام على حجيّته في الزائد عنه ويتمسّك به، إذ لا ترفع اليد عن الحجّة إلاّ بالحجّة.
وفيما نحن فيه: مقتضى عمومات البيع من (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ)(6) و (إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراض)(7) ونحوهما هو جواز بيع الصبيّ، لكنّ الروايات المذكورة تخصّص تلك العمومات بالقدر المتيقن منها، وهو ما لو كان الصبيّ مستقلاّ في تصرّفه في ماله، وما زاد عنه ـ وهو ما لو كان مع إذن الولي، أو كان تصرّفه في مال غيره بإذن مالكه ـ فمشكوك فيه، فيتمسّك بالعام.
إن قلت:
لا إشكال في أنّ للوليّ أن يتصرّف في مال الصبيّ بالاستقلال، فالقول بجواز أمر الصبيّ في ماله بإذن وليّه يستلزم اجتماع المثلين في جواز الأمر ـ غاية الأمر أنّ أحد المثلين بنحو الإطلاق والآخر بنحو التقييد ـ وهو محال.
فالبرهان العقلي مانع من التمسّك بالعامّ في الزائد عن القدر المتيقّن.
قلت:
إن كان ترتب الأثر على تصرّف الوليّ في مال الصبيّ أمراً وضعيّاً، توجّه الإشكال بلزوم اجتماع المثلين، ولكنّه حكم شرعي، وتصرّف الصغير في ماله حكم وضعي لكونه مالكاً حقيقةً، فالإشكال المذكور مندفع.
والتحقيق:
تارةً: يوكل الوليّ الأمر إلى الصبيّ ويجعله مختاراً في اموره يفعل ما يشاء، فهذا لا يجوز، لأنه على خلاف الكتاب كقوله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتامى…)والسنّة، وهو ما ورد في الروايات من أنه لا يجوز أمر الصبيّ حتى يبلغ. واخرى: يكون للوليّ نظارة، وكلّ معاملة صدرت من الصبيّ وكانت بنظارة من الولي، فهذا لا مانع عنه، كما هو الحال بالنسبة إلى السّفيه تماماً. والعلم عند الله.

(1) وسائل الشيعة 1 / 43، أبواب مقدمة العبادات، باب 4 رقم: 2.
(2) وسائل الشيعة 18 / 412، كتاب الحجر، الباب 2 رقم: 5 .
(3) مستدرك الوسائل 1 / 88 أبواب مقدّمة العبادات، الباب 4 رقم: 12.
(4) وسائل الشيعة 19 / 363، كتاب الوصايا، الباب 44 رقم: 8 .
(5) وسائل الشيعة 18 / 411، كتاب الحجر، الباب 2 رقم: 3.
(6) سورة البقرة: 275.
(7) سورة البقرة: 282.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *