الاستدلال بالروايات

الاستدلال بالروايات
(الطائفة الاولى) استدلّ جماعة منهم: الشيخ والسيّد في الغنية وابن إدريس والعلاّمة(1) بحديث رفع القلم، ففي الوسائل:
عن الصّدوق بإسناده عن ابن ظبيان قال: اُتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت فأمر برجمها.
فقال علي عليه السّلام: أما علمت أن القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبيّ حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ.
وفي الرّواية بعدها:
عن الغلام متى تجب عليه الصّلاة؟
أنه إذا احتلم فقد وجبت عليه الصّلاة وجرى عليه القلم.(2)
وفي المستدرك: عن سليمان المروزي عن الرّضا عليه السّلام إنه قال: وإنّ الصبيّ لا يجري عليه القلم حتى يبلغ(3)…
قال الشيخ بعد أنْ ذكر روايات رفع القلم:
ثم إنّ القلم المرفوع هو قلم المؤاخذة الموضوع على البالغين
أقول:
والإنصاف عدم إمكان المساعدة على ذلك، لأنّ ظاهر ما يصدر عن الشّارع من الوضع والرفع هو أنْ يكون تشريعيّاً، فالمراد هنا رفع قلم التشريع في قبال وضعه، لا أنّه لا يؤاخذ، إذ المؤاخذة إنْ كانت دنيويّة كالحدّ، فالرواية عامّة غير مختصّة بها، وعلى فرضه فالمورد غيرمخصّص. لكنّ ظاهر كلام الشيخ أن المراد المؤاخذة الاخرويّة.
وأيضاً، فإن الظاهر من الرفع هنا هو رفع التكاليف الإلزاميّة، والمراد منه في هذه الروايات هو «الدفع»، فالمعنى أنّ الصبىّ غير مكلّف بشئ من الأحكام الإلزاميّة المكلّف بها البالغ.
والحاصل: إنه ليس ظاهر الرواية عدم ترتّب شيء من الآثار على أفعال الصبيّ، كما ذكر الفقهاء، ولا أنها تفيد عدم المؤاخذة، كما ذكر الشّيخ، بل ظاهرها أنّ ما وضع على البالغ من التكاليف الإلزاميّة غير موضوع على الصبيّ.
ويمكن أن يقال في الآية أن المعنى: راقبوا اليتامى في شئونهم، فإذا بلغوا النكاح فهم مستقلّون في أفعالهم وهم المسئولون عنها، فإنْ آنستم منهم رشداً قبل البلوغ فادفعوا إليهم أموالهم. فتدلّ الآية على أنّ الصبيّ الرشيد تفوّض إليه اُموره.
ولكنْ قد ورد في تفسير الصّافي(4) عن القمي عنه عليه السّلام قال: من كان في يده مال بعض اليتامى، فلا يجوز أنْ يعطيه حتى يبلغ النكاح ويحتلم، فإذا احتلم وجبت عليه الحدود وإقامة الفرائض، ولا يكون فإذا أنس منه رشداً دفع إليه المال فإذا كان كذلك دفع إليه ماله.
فهو ظاهر في الرّشد بعد البلوغ.
وعن تفسير العياشي عن عبدالله بن سنان قال قلت لأبي عبدالله عليه السّلام: متى يدفع إلى الغلام ماله؟ قال: إذا بلغ وأونس منه رشده ولم يكن سفيهاً(5).
وهذا مثل سابقه.
وعلى الجملة، فقد تقدّم عدم دلالة الآية على المدّعى، فلو توكّل الصبي عن غيره في شئ من العقود والإيقاعات لم تمنع الآية عن ذلك، إذ الآية إنما دلّت على أنْ لا يجوز له أنْ يتصرّف في ماله بإذن من الولىّ أو في مال غيره بإذن مالكه.
ثم ذكرنا حديث رقم القلم، فقد استدلّ به المشهور، وهو عدّة روايات، ذكرنا بعضها، ومنها عن علي عليه السّلام:
إنه كان يقول في المجنون والمعتوه الّذي لا يفيق ذكرنا بعضها، والصبيّ الذي لم يبلغ: عمدهما خطأ، تحمله العاقلة، وقد رفع عنهما القلم(6).
وتقريب الاستدلال:
إن فعل المجنون والصبيّ والنائم لا يترتّب عليه شيء، ففعلهم فعل، وقصدهم قصد، لا يكتب شيء من أقوالهم وأفعالهم بقول مطلق، لأنّ القلم هو ما تشير الآية المباركة إليه من (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظينَ * كِرامًا كاتِبينَ)(7) والآية (إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ)،(8) فالمراد قلم كتابة الملكين، فهما لا يكتبان شيئاً من أقوال وأفعال الثلاثة، فلا يترتب على شئ من ذلك أثر من الآثار الشرعيّة بل هو كأن لم يكن.

(1) المبسوط 3 / 3، الغنية: 210، السرائر 3 / 207، التذكرة 2 / 145.
(2) وسائل الشيعة 1 / 45، في علائم البلوغ، أبواب مقدمة العبادات، الباب 4، رقم 11 و 12.
(3) مُستدرك الوسائل 1 / 87 ، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 4 رقم: 9.
(4) تفسير الصافي 1/391.
(5) وسائل الشيعة 19 / 370، كتاب الوصايا، الباب 46 رقم: 2.
(6) وسائل الشيعة 29 / 90، كتاب القصاص، الباب 36 رقم: 2.
(7) سورة الإنفطار: 10.
(8) سورة يونس: 21.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *