أدلّة القول بالبطلان مطلقاً

أدلّة القول بالبطلان مطلقاً
ولنذكر أوّلاً ما استدلّ به لقول المشهور وبعض الأقوال في المسألة، وقد استوعبها جدّنا في حاشيته بالتّفصيل(1)…
الوجه الأوّل: قوله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ)(2) بتقريب: إن الإبتلاء هو الاختبار، و «حتى» غاية لذلك، فإنْ كانوا على رشد فادفعوا إليهم أموالهم، فكان دفع المال إلى اليتيم منوطاً بالبلوغ والرّشد، لاشتمال الآية على مفهوم الغاية الدالّ عليه «حتى»، ومفهوم الشرط الدالّ عليه «إنْ»، فليس له حقّ التصرّف في أمواله قبل البلوغ، بل يعتبر الرّشد فيه بعد بلوغه.
وقد أورد على الاستدلال(3): بأنّ مقتضى الشّرط في (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا) أنّ الصبي إذا كان رشيداً يدفع إليه ماله وإنْ لم يبلغ. وبعبارة اخرى: هذا الشرط يرجع إلى صدر الآية لا إلى مدخول «حتّى»، بقرينة عود الضّمير في «منهم» إلى «اليتامى».
الوجه الثاني الروايات:
منها: عن أبي جعفر عليه السّلام: الغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج عن اليتم حتى يبلغ خمسة عشر سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك.(4)
ومنها: عن أبي عبدالله عليه السّلام: أنه سئل عن اليتيم متى يجوز أمره؟ قال: حتى يبلغ أشدّه. قال: وما أشدّه؟ قال: احتلامه(5).
ومنها: عن أبي عبدالله عليه السّلام: إذا بلغت الجارية تسع سنين دفع إليها مالها وجاز أمرها في مالها واُقيمت الحدود التامّة لها وعليها(6).
هذا، مضافاً إلى أخبار رفع القلم:
كقول أمير المؤمنين عليه السّلام: أما علمت أن القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبيّ حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتّى يستيقظ(7).
فذهب المشهور إلى أنّ كلّ قول أو فعل له أثر وضعي، لا يترتّب عليه الأثر إذا صدر عن الصبيّ، فقبول الهديّة ـ مثلاً ـ مشروط بالقبض، فقبض الصبيّ لا قبض، فلا تتحقق الهديّة وإنْ وصلت إلى يده، والحيازة تابعة للقصد، وقصده كلا قصد، وكذا التسمية في الذبح، وهكذا في البيع والإجارة وغيرهما من المعاملات، سواء كانت في أمواله أو بالوكالة عن غيره.
ولابدّ من النّظر في الأدلّة لنرى مدى دلالتها، ويقع البحث في مسائل:
إحداها: أن يستقلّ الصبي كالبالغين في جميع الاُمور.
ولا خلاف ولا كلام في عدم كونه كالبالغين، وهذا هو القدر المتيقّن من الأدلّة.
والثانية: أنْ يتصرّف في أمواله بإذن من الولي ويكون تصرّفه نافذاً.
والمشهور: عدم الجواز.
والثالثة: أن يتصرّف في مال غيره، بأنْ يُنشئ العقد وكالةً عن المالك بإذن من وليّه أو بدون إذن منه.
والرابعة: إنه لا أثر لقوله ولا فعله، لا في أموال نفسه ولا أموال غيره قليلا كان أو كثيراً.
وهذا ظاهر عبارة الشيخ إذ قال بعد قوله: والعمل على المشهور:
والحاصل: إن مقتضى ما تقدم… عدم الاعتبار بما يصدر من الصبيّ من الأفعال المعتبر فيها القصد إلى مقتضاها، كإنشاء العقود أصالةً ووكالةً والقبض والإقباض، وكلّ التزام على نفسه من ضمان أو أقرار أو نذر أو إيجار…

(1) غاية الآمال: 319.
(2) سورة النساء: 6.
(3) انظر: المكاسب والبيع 1 / 396 ـ 397.
(4) وسائل الشيعة 17 / 360، كتاب التجارة، الباب 14 رقم: 1.
(5) وسائل الشيعة 18 / 412، كتاب الحجر، الباب 2 رقم: 5 .
(6) وسائل الشيعة 18 / 411، كتاب الحجر، الباب 2 رقم 3.
(7) وسائل الشيعة 1 / 45، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 4 رقم 10.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *