حكم خروج العين عن التقويم مع بقاءها على الملكيّة

حكم خروج العين عن التقويم مع بقاءها على الملكيّة
قال:
هذا كلّه مع انقطاع السّلطنة عن العين مع بقائها على مقدار ملكيتها(1) السّابقة، أمّا لو خرج عن التقويم مع بقائها على صفة الملكيّة…
أقول:
لو خرجت العين عن التقويم وهي موجودة تحت السّلطنة على صفة الملكيّة لماكلها، كما في الرطوبة الباقية بعد الوضوء بالماء المغصوب عن جهل بالموضوع، فعلم بذلك قبل المسح، فهل يجوز له المسح بالرّطوبة التي هي ملك للغير مع عدم الماليّة لها؟
وكذا لو خاط الثوب بخيط ثم علم بكونه للغير، فهل تجوز الصّلاة في الثوب مع عدم الماليّة للخيط؟
قال الشيخ: يجب دفع بدل مالية العين، والعين باقية على ملك المالك، لأنّ ما يدفعه قيمة الأوصاف والأجزاء التالفة لا العين، حتّى يتوهّم كون الغرامة موجبةً للملكية للضّامن.
لكنّ العبارة لا تخلو عن مسامحة، لأنّ الماليّة هي للعين، والأوصاف والأجزاء واسطة في الثبوت، وليس ما يبذله قيمةً لها.
قال:
فيقوى عدم جواز المسح بها إلاّ بإذن المالك ولو بذل القيمة…
ثم أورد كلام العلاّمة في القواعد: في ما لو خاط ثوبه بخيوط مغصوبة:
ولو طلب المالك نزعها وإنْ أفضى إلى التلف وجب، ثم يضمن الغاصب النقص. ولولم يبق لها قيمة غرم جميع القيمة(2).
وأضاف في جامع المقاصد: ولا يوجب ذلك خروجها عن ملك المالك، كما سبق من أن جناية الغاصب توجب أكثر الأمرين، ولو استوعبت القيمة أخذها ولم تدفع العين(3).
وعن المسالك: إنه إنْ لم يبق له قيمة ضمن جميع القيمة، ولا يخرج بذلك عن ملك مالكه كما سبق، فيجمع بين العين والقيمة(4).
ثم نقل الخلاف عن مجمع البرهان، وأنه اختار عدم وجوب النزع بل قال: يمكنْ أنْ لا يجوز وتتعيّن القيمة، لكونه بمنزلة التلف، وحينئذ يمكن جواز الصّلاة في هذا الثوب المخيط، إذ لا غصب فيه يجب ردّه، كما قيل بجواز المسح بالرطوبة الباقية من الماء المغصوب، الذي حصل العلم به بعد إكمال الغسل وقبل المسح(5).
وعن صاحب الجواهر(6) أنه استجود كلام الأردبيلي ترجيحاً لاقتضاء ملك المالك للقيمة خروج المضمون عن ملكه، لصيرورته عوضاً شرعاً.
ثم ردّ عليه قائلاً:
إنه لا منشأ لهذا الاقتضاء، وأدلّة الضمان قد عرفت أنّ محصّلها يرجع إلى وجوب تدارك ما ذهب من المالك، سواء كان الذاهب نفس العين كما في التلف الحقيقي، أو كان الذاهب السّلطنة عليها التي بها قوام ماليّتها كغرق المال، أو كان الذاهب الأجزاء أو الأوصاف التي يخرج بذهابها العين عن التقويم مع بقاء ملكيّته.
أقول:
إنه بين «الرطوبة» و«الخيط» فرق، لأنّ الرّطوبة في حدّ نفسها في معرض الزوال، ويتعذّر الوصول إليها ولاتقبل الردّ بخلاف الخيط والخشبة ولمّا كان الضّامن قد دفع قيمة الماء، فما هو وجه الإشكال في جواز المسح بها؟
إنْ كان من جهة التصرّف في ملك الغير، فإنّ الروايات الدالّة على المنع موضوعها هو «المال» لا «الملك»، فعن الإمام المنتظر عجل الله فرجه: لا يحلّ لأحد أنْ يتصرّف في مال غيره بغير إذنه»(7).
وفي رواية عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: فإنه لا يحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه(8).
والمفروض أنْ لا ماليّة للرّطوبة.
وإنْ كان من جهة أنّ المسح بالرّطوبة إتلاف لملك الغير، فالرّطوبة في معرض التلف ولا ماليّة لها.
وتلخص: جواز المسح بهذه الرطوبة، وفاقاً للأردبيلي وصاحب الجواهر قدّس سرّهما.
فإنْ قلت:
ففي الرّواية عن العبد الصّالح عليه السّلام: أنّ مختصات الملوك ملك للإمام عليه السلام ما لم يكن غصباً، قال: «لأن الغصب كلّه مردود»،(9)فالرطوبة يجب ردّها ولا يجوز المسح بها.
قلت:
أوّلاً: صدق «الغصب» على هذه الرطوبة الباقية أوّل الكلام.
وثانياً: سلّمنا، لكن لا يمكن ردّها، فلا يشملها النصّ.
وأمّا لو خاط ثوبه بمال الغير، ففي المسألة تفصيل:
لأنّ الخيط إمّا هو مال أوْ لا، وعلى التقديرين، فإمّا يمكن نزعه بلا تلف فيه وفي الثوب، وإمّا يتلف الخيط، وإما يتلف الثوب، والبحث تارة من حيث الصّلاة فيه، واخرى من حيث وجوب نزع الخيط. فالصور ثمانية، فأقول:
إن لم يكن للخيط ماليّة بالفعل، وجب عليه دفع القيمة بالنسبة إلى مجموع الخيط، والمختار أنّ الغرامة لا توجب الخروج عن الملك، فهو ملك وليس بمال، فيقع البحث في أنه يجوز الصّلاة في هذا الثوب أوْ لا؟ وهل يجب نزع الخيط أو لا؟
إن لم يكن نزعه موجباً لتلفه ولا للثوب، فإنّه وإنْ لم مالاً، لكنّه ملك للمالك أو له فيه حق الاختصاص، فيجوز للمالك المطالبة به، وعليه نزعه وتسليمه إلى المالك مضافاً إلى الغرامة.
وإن كان نزعه موجباً لتلف شيء من الثوب، فيجب ردّه تكليفاً على الضامن من باب أن الغصب كلّه مردود أو غير ذلك، لكنّ حديث لا ضرر يرفع هذا الحكم التكليفي.
إن قلت:
قد أقدم الغاصب على ضرره، فلا تجري القاعدة.
قلت: لا نصّ على قاعدة الإقدام، وحديث لا ضرر مطلق.
سلّمنا، ولكن ليس ما نحن فيه صغرى لقاعدة الإقدام، لأن موضوعها هو الإقدام على الضّرر، لا ما لو أقدم على عمل مستلزم للضّرر، وما نحن فيه من هذا القبيل.
على أنّا قد ذكرنا أن البحث أعمّ من مورد الغصب، فلا موضوع للإقدام على الضّرر في كثير من الموارد.
والحاصل، عدم وجوب النزع في هذه الصّورة وإنْ طالب به المالك.
وإنْ كان نزعه موجباً لتلف الخيط فقط، وجب نزعه وتسليمه للمالك لأنّ له حق الاختصاص به.
ثم إنّ الصّلاة في هذا الثوب الذي لا ماليّة للخيط، لا مانع عنها على جميع التقادير، لأنّ موضوع الروايات المانعة من التصرّف هو «المال».
فإن قلت:
قد ثبت وجوب الردّ في بعض الصّور، وهو ينافي الصّلاة فيه.
قلت:
وجوب الردّ لا فوريّة له. وعلى فرضه، تصحّ الصّلاة بالترتّب.
هذا كلّه لولم يكن للخيط ماليّة.
وأمّا إنْ كان الخيط مالاً عرفاً.
فإنْ كان إخراجه غير موجب لتلفه ولا للثوب، فلا محالة يجب ردّ مال الغير إليه، ولو نقصت ماليته على أثر الخياطة غرم.
وإنْ كان إخراج الخيط موجباً لتلفه دون الثوب، فلا حقّ للمالك في مطالبة الخيط، لأنّ المالك غير مسلّط على إتلاف ماله، فنزعه غير جائز لأنه تبذير للمال، فتقع الشركة بين الغاصب والمالك، والمالك مالك للخيط ولزياة قيمة الثوب الحاصلة بخياطته بخيطه، فهما شريكان في ماليّة الثوب. فإنْ قصدا الإفراز ـ والمفروض عدم إمكانه هنا ـ بيع الثوب وأخذ كلّ حصّته، فيعطى قيمة الثوب المجرّد للغاصب والباقي للمالك.
وإنْ كان موجباً لتلف الثوب، سواء تلف الخيط أوْ لا، فللمالك السلطنة على الخيط وله المطالبة به، لكن نزع الخيط موجب للضرر على الغاصب، فإنْ تقدّم قاعدة لا ضرر على قاعدة السّلطنة بالحكومة ـ كما هو التحقيق ـ سقط حقّ المطالبة بالنّزع، وأمّا على مبنى الشيخ ـ القائل بالتّعارض بين القاعدة وانتفاء السّلطنة عن المالك ـ فإنهما يتعارضان ويتساقطان وتكون النتيجة الشركة أو وجوب دفع بدل الحيلولة.
إن قلت:
ففي نهج البلاغة: الحجر الغصب في الدار رهنٌ على خرابها(10)
فيجب عليه إخراج الحجر وتسليمه إلى صاحبه وإن هدمت الدار، فكذلك الخيط يجب نزعه وإنْ تلف الثوب.
قلت:
هذا الكلام في مقام بيان الآثار السيّئة المترتّبة على الغصب ولزوم الاجتناب عن الغصب، لا في مقام بيان الحكم الشرعي.
إن قلت:
فعن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام:
في رجل اكترى داراً وفيها بستان، فزرع في البستان وغرس نخلاً وأشجاراً وفواكه وغيرذلك، ولم يستأمر صاحب الدار في ذلك. فقال عليه السلام: عليه الكراء ويقوّم صاحب الدار الزرع والغرس قيمة عدل ويعطيه الغارس، إن كان استأمره في ذلك. وإنْ لم يكن استأمره في ذلك فعليه الكراء وله الزرع والغرس، ويقلعه ويذهب به حيث شاء(11)
وعن أبي عبدالله في حديث: ليس لعرق ظالم حق.(12)
وفيما نحن فيه: ليس له أنْ يصلّي في الثوب.
قلت:
هذه النصوص موردها وجود الماليّة للشئ، والمفروض هنا عدمها، فلاتصلح للاستدلال في مفروض البحث.
وأمّا الصّلاة في الثوب في هذه الصّور، فلا تجوز، كما هو واضح.
ثم إنّ الشيخ بعد أنْ ذكر الموارد الثلاثة لوجوب تدارك ما ذهب من المالك، وهي:
تلف العين حقيقةً، وتعذّر الوصول إلى العين كما لو غرقت، وذهاب الأجزاء أو الأوصاف التي تخرج بذهابها العين عن التقويم مع بقاء الملكيّة، قال:
ولا يخفى أن العين على التقدير الأوّل خارج عن الملكيّة عرفاً.
والسرّ في هذا التعبير هو أنه قد يمكن اعتبار الملكية بالدقّة العقليّة، كما لو ألقى مقداراً من الماء الذي هو ملك للغير في حوض من الماء، فإنّ الأجزاء المنتشرة منه والمستهلكة في الحوض ملك لمالكها بالدقّة العقليّة، لكنّها خارجة عن الملكيّة عرفاً.
قال:
وعلى الثاني: السّلطنة على البدل بدل عن السّلطنة المنقطعة عن العين، وهذا معنى بدل الحيلولة.
فهو مالٌ متعذّر الوصول، والبدل بدلٌ عن السّلطنة على مسلك الشيخ.
قال:
وعلى الثالث: فالمبذول عوض عمّا خرج بذهابه عن التقويم لا عن نفس العين…
وهذا مثل الرطوبة الباقية من الوضوء بماء الغير على الأعضاء، والخيط الذي هو للغير وقد خيط به الثوب، والخشبة التي هي للغير في السفينة، والآجر الذي هو ملك للغير في البناء… وهكذا.

(1) كذا والصحيح: ماليّتها.
(2) قواعد الأحكام 1 / 207.
(3) جامع المقاصد 6 / 304 ـ 305.
(4) مسالك الأفهام 2 / 207 ـ 208.
(5) مجمع الفائدة والبرهان 10 / 521 .
(6) جواهر الكلام 37 / 80 .
(7) وسائل الشيعة 25 / 386، كتاب الغصب، الباب 1 رقم: 4.
(8) وسائل الشيعة 29 / 10، كتاب القصاص، الباب 1 رقم: 3.
(9) وسائل الشيعة 9 / 524 ، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1 رقم: 4.
(10) وسائل الشيعة 25 / 386، كتاب الغصب، الباب 1 رقم: 5 .
(11) وسائل الشيعة 25 / 387، كتاب الغصب، الباب 2 رقم: 2.
(12) وسائل الشيعة 25 / 388، كتاب الغصب، الباب 3 رقم: 1.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *