الفقرة الثانية، قوله عليه السّلام

الفقرة الثانية، قوله عليه السّلام:
أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين اكتري كذا وكذا، فيلزمك.
قال الشيخ:
فإن إثبات قيمة يوم الاكتراء من حيث هو يوم الاكتراء لا جدوى فيه، لعدم الاعتبار، فلابدّ أنْ يكون الغرض منه إثبات قيمة يوم المخالفة…
ومقصوده تنزيل «يوم الاكتراء» على «يوم المخالفة» لعدم الاعتبار بيوم الاكتراء. وذلك: لأن البغل في يوم الاكتراء أمانة شرعيّة، ولا يوجب تلفه الضّمان، فلا جدوى لإثبات قيمة البغل في هذا اليوم من حيث هو، فلابدّ من أن يراد منه يوم المخالفة، لأنّ المخالفة قد تحقّقت في نفس يوم الاكتراء أو بعده بساعات. ومن المعلوم عدم اختلاف قيمة البغل في هذه المدّة القليلة، فمراد الإمام عليه السّلام من «قيمة البغل حين اكتري…» هو «يوم المخالفة»، فدلّت الرواية على أن الضمان بقيمة يوم الغصب لا التلف، فهي حينئذ مقيّدة لإطلاقات الضمان.
أقول:
ولكنّ هذا الاستظهار مخدوش، والشيخ نفسه ملتفت إلى ذلك وسيتعرّض له.
قال:
وأمّا قوله عليه السّلام في جواب السؤال عن إصابة العيب: عليك قيمة ما بين الصحّة والعيب يوم تردّه، فالظرف متعلّق بـ«عليك» لا قيد للقيمة…
أقول:
هذا الإشكال إنما يتوجّه بناءً على وجود كلمة «يوم» وهي نسخة الكافي، وهي غير موجودة في نسخة التهذيب المصحّحة كما قال صاحب الجواهر.(1) وحاصله: أن الواجب دفع الأرش بقيمة يوم ردّ البغل إلى المالك، فالملاك يوم الردّ، لا يوم القبض ولا يوم المخالفة ولا يوم التلف.
ويندفع: بأن ظاهر «عليك» هو الحكم التكليفي، وهو: الوجوب، فالمراد أنه يجب عليك دفع ما بين الصحّة والعيب في يوم ردّ البغل إلى مالكه، وليس «يوم» قيداً للقيمة حتى يكون بمعنى الضّمان، هكذا أجاب رحمه الله.
على أنّ الجملة السّابقة قد دلّت على ضمان يوم المخالفة، فلو دلّت هذه الجملة على أنه يوم الردّ، لزم أنْ يكون ضمان الكلّ بيوم المخالفة وضمان الجزء بيوم الردّ، وهذا تهافت، إذْ لا يعقل التفاوت في القيمة بين الكلّ والجزء، فهذه قرينة على أنّ الملاك في تلف الكلّ أو الجزء هو يوم المخالفة.
قال قدّس سرّه:
ويحتمل أنْ يكون قيداً لـ«العيب»، والمراد: العيب الموجود في يوم الردّ…
ولا يتوجّه عليه الإشكال: بأنّه يعتبر في العامل في ظرف الزّمان أنْ يكون فيه معنى الحدثيّة، لإمكان دعوى تحقّقه في «العيب»، وكيف كان، فالأمر سهل.
وحاصل الكلام: إنّ احتمال كون «يوم» قيداً لـ«العيب» وأنّ المراد: العيب الموجود في يوم الردّ، لاحتمال ازدياد العيب في يوم الردّ فهو المضمون دون العيب القليل الحادث أوّلاً، لا يجعل يوم الردّ هو الملاك للضّمان، إذْ كما يحتمل ازدياد العيب، كذلك يحتمل تناقصه إلى يوم الرّد. وعليه، فالعبرة بالعيب الموجود حال حدوثه، لأن المعيب لو ردّ إلى الصحّة أو نقص، لم يسقط ضمان ما حدث منه وارتفع، على مقتضى الفتوى.
وإذا سقط هذا الاحتمال أيضاً، تعيّن تعلّق «يوم» بـ«عليك»، ولا منافاة بين الجملتين، والمراد هو يوم المخالفة.
أقول:
قد تقدّم أنّ هذا البحث يتأتّى بالنظر إلى نسخة الكافي، أو على نسخة التهذيب: «عليك ما بين الصحّة والعيب تردّه» بناءً على أنْ يرجع الضمير إلى «ما» الموصولة.
لكنّ عدم سقوط ضمان ما حدث من العيب وارتفع، لا دليل عليه، لأنّ ثبوت الأرش هو مقتضى قاعدة على اليد وغيرها ممّا يدلّ على وجوب أداء ما أخذ كما أخذ، فإذا حَدَث فيه عيب أو نقص، وجب عليه تداركه، أمّا لو كان سليماً حين الأداء، فقد أدّى ما أخذ ولم يكن عليه شيء. وبهذا يمكن جعل «يوم» قيداً لـ«العيب»، وما ذكره الشيخ مندفع، والله العالم.
وبالجملة، فإنّ كلمة «القيمة» متكرّرة في الصحيحة ثلاث مرات، غير أنّ المضافة إليه مختلف، فمرّة اُضيفت إلى يوم المخالفة، حيث قال عليه السّلام: «نعم قيمة يوم خالفته». وفي الثانية إلى يوم الردّ، قال: «قيمة ما بين الصحّة والعيب يوم تردّه»، وأضيفت في الثالثة إلى يوم الاكتراء، إذ قال: «بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين اكتري كذا…».
فأرجع الشيخ «يوم الاكتراء» إلى «يوم المخالفة» كما تقدّم، لكنّه وقع في الإشكال في الموضع الثاني، لعدم صحّة إرجاع «يوم الردّ» إلى «يوم المخالفة»، فأفاد رحمه الله أنّ المراد من «عليك» هو الحكم التكليفي ـ أي الوجوب ـ لا الحكم الوضعي، و«يوم تردّه» قيد للحكم المذكور وليس قيداً لـ«القيمة»، على ما سبق بيانه. ثم تعرّض لاحتمال كونه قيداً لـ«العيب» فيعود الإشكال. ثم أجاب: باحتمال ارتفاع العيب ونقصانه في يوم الردّ وأنّ الفتوى عدم سقوط الضّمان، قال: فتعيّن تعلّق «يوم» بـ«عليك».
والمحقّق الخراساني أرجع الضمير في «تردّه» من حيث المعنى إلى ما به التفاوت وهو الأرش، إذ هو مذكر ولا يصلح لأن يرجع إلى «القيمة».
وهذا على ما قوّاه من أنّ العين التالفة باقية اعتباراً في ذمة من أتلف، ومقتضى ذلك عدم الخروج عن العهدة إلاّ بدفع القيمة، وليس إلاّ قيمة يوم الدفع.
ولكنّا لم نوافقه على ذلك.
ومن أنّ المتعارف ردّ الأرش يوم ردّ العين.
وهذا أيضاً لا يمكن المساعدة عليه.
ولنا بحث مع الشيخ رحمه الله في موضعين:
أحدهما في قوله: فتعيّن تعلّقه بقوله عليه السّلام: «عليك».
فقد ذكرنا أنه سواء كان «عليك» حكماً تكليفيّاً أو وضعيّاً، فإنّ كلا الحكمين ثابتان عليه من قبل بمجرّد إصابة العيب، فلا معنى لأنْ يجعل «يوم الردّ» قيداً لـ«عليك».
والثاني في قوله: لأن المعيب لو ردّ إلى الصحّة أو نقص لم يسقط ضمان ما حدث منه وارتفع، على مقتضى الفتوى.
فإنّ ظاهر كلامه الاتّفاق على ذلك، والحال أنه ليس كذلك، لاختلاف الأقوال فيه، بين قائل بعدم الضّمان مطلقاً، وقائل بثبوته كذلك، وقائل بالثبوت إن كان العيب من الأوّل وبعدمه إن كان حادثاً بعد ذلك ثم ارتفع.
والقول الثالت هو الحق.
ووجه القول بالضّمان مطلقاً هو: إن السّمن الذي عاد إلى البغل ـ مثلاً ـ بعد هزاله، ليس عين السّمن الذي كان عليه حين أخذه بل مماثل له، أمّا الذي زال فقد اشتغلت به عهدة الآخذ، وأمّا الذي حدث فهو ملكٌ للمالك لكونه نماءً في ملكه، ولا معنى للخروج عن العهدة بدفع الملك إلى مالكه، بل على الآخذ أن يتدارك ما حَدَث في يده من العيب وإنْ ارتفع، لأنّ المفروض اشتغال ذمّته به.
وهذا ما يستفاد من كلام العلاّمة رحمه الله.
وفيه: إنّه لا دليل عليه إلاّ قاعدة اليد، فإنّ مقتضى «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» أداء نفس ما أخذ، والمفروض أنّ جزءً ممّا اُخذ زائلٌ، فالآخذ ضامنٌ له، ودفع المماثل ـ حتى لو كان ملكاً له ـ لا يعدّ أداءً له، وحيث أنّ الزائل لا يعود فهو ضامن للقيمة.
لكنّ الحديث لا يعتمد عليه بوجه من الوجوه، لأنّه حديث عامّي، وهم يروونه عن سمرة بن جندب وهو شقيّ خبيث، فالقاعدة بما هي غير معتبرة، إنما الدليل هو الإجماع، وهو دليل لبّي، والقدر المتيقّن هو أنّه إذا تسلّم الشيء صحيحاً سالماً وجب عليه أداؤه كذلك، سواء كانت صحّته حين الأداء بفعل من الآخذ أو بفعل من الله كما في مثال السّمن، أمّا لو تسلّمه كذلك وكان حين أدائه معيباً وجب عليه دفع الأرش، فالقول بالضّمان مع كونه سالماً حين الأداء كما تسلّمه، لا دليل عليه.

(1) جواهر الكلام 37/102.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *