الأئمةُ مثلُ العليّ الأعلى

الأئمةُ مثلُ العليّ الأعلى
اِنّما المقصود هو المعنى الثالث وهو:
«النموذج» وجمعه «مُثُل»، حيث يتبين من خلاله حقيقة وواقعيّة أمر معقول بتمثيله بأمر محسوس، فيُقال: مَثلُهُ كمثل كذا.
فحينما نريد تعريف الجود والسخاء وآثارهما وخصوصيّاتهما، نذكر حاتم الطائي، كنموذج له.
وقد جاء «المثل الأعلى» في موردين من الذكر الحكيم، أحدهما: قوله تعالى في سورة النحل:
(لِلَّذينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالاْخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الاَْعْلى وَهُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ)(1).
والثاني: قوله تعالى في سورة الروم:
(وَلَهُ الْمَثَلُ الاَْعْلى فِي السَّماواتِ وَالاَْرْضِ وَهُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ)(2).
ففي سورة النحل (وَلِلّهِ الْمَثَلُ الاَْعْلى) وفي سورة الروم (وَلَهُ الْمَثَلُ الاَْعْلى) واللاّم في كلتا الآيتين للاختصاص، واشتراكهما بقوله تعالى: (وَهُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ). هذا من ناحية.
ومن ناحية اُخرى: فإنّ «الأعلى» إسم من أسماء الله الحسنى، لقوله عزّ وجلّ:
(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الاَْعْلَى * الَّذي خَلَقَ فَسَوّى)(3).
وقوله:
(إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الاَْعْلى)(4).
إذا عرفنا ذلك، يتّضح لنا تطبيق مفهوم «المثل الأعلى» على مصداقه وهم الأئمّة المطهّرون عليهم السّلام، وأنهم مَثَلٌ لله سبحانه وتعالى ومظاهر ذاته الأحديّة، وبمعرفة الإمام وحبّه وإطاعته يُعرف الله تبارك وتعالى وتتم إطاعته، وبالإتيان إليهم تكمن عبادة الباري جلّ وعلا، فهم المعرّف لله، لقول الإمام الباقر عليه السّلام:
«بنا عُبِدَ الله، وبنا عُرِفَ الله» كما في رواية بريد العجلي(5).
ولقول رسول الله صلّى الله عليه وآله:
«من أطاع عليّاً فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله»(6).
أقول:
إن الله تعالى أجلّ وأسمى من أن يُرى أو يُعرف ذاته، لذا جعل الأئمّة المعصومين المصطَفين عليهم السّلام اُنموذجاً ومظهراً لذاته وصفاته، فمن رآهم فقد تجلّت له صفاته ومصاديق أسماءه الحسنى، وهو المرويّ عن سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السّلام أنّ الرّسول صلّى الله عليه وآله خاطب أمير المؤمنين عليه السّلام بقوله:
«يا علي، أنت حجة الله، وأنت باب الله، وأنت الطريق إلى الله، وأنت النبأ العظيم، وأنت الصراط المستقيم، وأنت المثل الأعلى»(7).
وهي مقامات وصفات حصريّة بالأئمّة عليهم السّلام.

(1) سورة النحل، الآية: 6.
(2) سورة الروم، الآية: 27.
(3) سورة الأعلى، الآية: 1 ـ 2.
(4) سورة اللّيل، الآية: 20.
(5) الكافي 1 / 145، بحار الأنوار 23 / 102.
(6) معاني الأخبار: 373، بحار الأنوار 38 / 129.
(7) عيون أخبار الرضا عليه السّلام 1 / 9.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *