إنفاق الأنبياء و الأئمّة ما يملكون في سبيل الله

إنفاق الأنبياء و الأئمّة ما يملكون في سبيل الله
هذا، وقد روى الشيخ الكليني رحمه الله عن أبي عبدالله الصّادق عليه السّلام روايةً اخرى عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال:
وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً، ولكنْ ورّثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظٍّ وافر(1).
فتمسّك بها بعض أهل السنّة بدعوى كونها مطابقةً لما نسبه أبوبكر إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ورواه القوم أنه قال:
«إنا معاشر الأنبياء لا نورث…».
ولكنْ بين الكلامين تفاوت واضح، فلفظ رواية الكليني «لم يورّثوا» ولفظ روايتهم المزعومة «لا نورث»… .
إن رواية الكافي تفيد أن الأنبياء بذلوا أموالهم في سبيل الله وأنفقوا ما عندهم لوجه الله في حياتهم، ولم يخلّفوا بعد وفاتهم إلاّ العلم، لا أنهم لا يورّثون. وهي نكتة دقيقة رغم غفلة بعض أصحابنا عنها من الذين توهّموا أن الإشكال وارد إن كان سند الرواية صحيحاً. لكننا نؤكد على سلامة سند الرواية من الخدش. فالرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله عُرِف بهذا الخلق من البذل والإنقاق، وأدّب أصحابه أن لا يكنزوا الأموال. فهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ وهو وصيّ الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله ـ قد نصّت الروايات المعتبرة المتفق عليها على أنّه:
«ما ترك صفراء ولا بيضاء»(2).
وهذا هو نموذج التربية الإسلاميّة، والخلق المحمّدي الرفيع، وهو يختلف بالكامل عن نماذج صحبت النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله لكنّها لم تستنر بتعاليمه وأخلاقه وتربيته، ضع يدك على أيّ كتاب شئت من كتب الأخبار والسيرة، ودع بصرك يجول في متون التاريخ، لترى أنّ طلحة والزبير وعبدالرحمن بن عوف وأمثالهم خلّفوا من الأموال التي اكتنزوها ما استصعبوا عدّه، ومن الذهب ما كُسِّر بالفؤوس(3).
فالأنبياء عليهم السّلام «لم يورّثوا»، لأنهم لم يكتنزوا شيئاً لينتقل إلى وارثيهم، وإنما قدّموا كلّ ما كانوا حصلوا عليه وبذلوه قربةً إلى الله تعالى قبل أن يخرجوا من الدنيا، وهو معنىً يختلف تمام الاختلاف عن معنى «لايورّثون». فشتّان بين المعنيين. فتدبّر.
وهكذا كان ديدن أولياء الله الذين تربّوا في مدرسة الأنبياء والأئمّة عليهم السّلام وتخلّقوا بأخلاقهم، فبذلوا الأموال والممتلكات في سبيل الله، لكي لا ينشغلوا بجمعها عن طاعة الله وينوءون بوزر ما سيتركونه للورثة. وما أكثر من شاهدنا ممن كانت لهم الأموال الطائلة في حياتهم، إلاّ أنهم لم يتركوا شيئاً يُذكر بعد موتهم، نتيجة إنفاقهم في سبيل الله سبحانه.
حكى والدي المرحوم، نقلا عن والده أنّ استاذه الفقيه الكبير الشيخ محمّد حسين الإصفهاني قد أنفق في سبيل الله كلّ ما ورثه من والده من الأموال الطائلة ـ وكان من كبار التجّار ـ لوجه الله، حتّى أنه لم يكن يمتلك داراً متواضعةً لسكناه.
نعم، لا ينكر أحد ما لوراثة العلوم والملكات الفاضلة المعنويّة من قيمة، وهو ما يفتخر به الأئمّة عليهم السّلام وأصحابهم وكبار علماء مدرستهم.

(1) المصدر 1 / 35.
(2) أمالي الصدوق: 397 ح 510، مسند أحمد بن حنبل 5 / 168.
(3) سير أعلام النبلاء 1 / 65.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *