لا يتوهّم أفضلية النبيّين من الأئمّة

لا يتوهّم أفضلية النبيّين من الأئمّة
ولا يتوهّم كون النبيّين أفضل من الأئمّة لأنهم قد تولّدوا منهم… لوجوه:
الأوّل
إنه قد تقرّر في محلّه: أنّ الإنسان إنسانٌ بروحه لا ببدنه، وأنّ البدن دائماً في خدمة الروح، تستخدمه في مقاصدها، وإنْ ثبت أن البدن أيضاً يعاد في القيامة للحساب، وأن المعاد روحاني وجسماني معاً… وعلى هذا، فإنّ الأفضليّة ترجع إلى الروح وإنْ كان البدن المتعلّقة به متولّداً من المفضول.
والثاني
إنه لا ريب لأحد في أفضليّة نبيّنا صلّى الله عليه وآله من آبائه وسائر الأنبياء السّابقين، وأنّ كونهم وسائط لتولّده لا يقتضي أفضليتهم منه، كذلك الحال بالنسبة إلى الأئمّة عليهم السّلام، فمجرّد الاُبّوة والبّنوة لا يكفي لأفضليّة الأب من الابن.
والثالث
إنه قد ثبت من آية المباهلة، وهي قوله تعالى:
(… فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ…)(1).
والمراد من «الأنفس» علي عليه السّلام، هو مساواة أمير المؤمنين للنبي في جميع فضائله ومناصبه إلاّ النبوة، ولما كان صلّى الله عليه وآله أفضل من سائر الأنبياء، كذلك علي، لأن مساوي الأفضل أفضل.
وأيضاً: قد بسطنا الكلام فيما سبق حول تقدّم نبوة نبيّنا الأكرم على نبوّات سائر الأنبياء، وأوضحنا هناك ملازمة الإمام علي له في ذاك العالم، فكان ذلك دليلاً آخر على أفضليته من الأنبياء السابقين، وكذلك بقية الأئمّة المعصومين.
والرابع
إن مقتضى حديث النور المتفق عليه، وهو قوله صلّى الله عليه وآله في أحد ألفاظه:
كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عزّ وجلّ قبل أنْ يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف عام، فلمّا خلق الله آدم قسّم ذلك النور جزئين، فجزء أنا وجزء علي، فلم نزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبدالمطلب، ففيّ النبوة وفي عليٍّ الخلافة.
هو أن الأنبياء من آبائهما ـ بالرغم من علوّ منزلتهم ورفعة مقامهم ـ لم يكونوا إلاّ وسائط لمجئ النبي ووصيّه علي ـ عليهما الصّلاة والسّلام ـ إلى هذا العالم، وقد فصّلنا الكلام حول مداليل هذا الحديث في كتابنا الكبير(2).
والخامس
إنّ مقتضى حديث التشبيه المتفق عليه، وهو قوله صلّى الله عليه وآله في أحد ألفاظه ـ كما رواه الحافظ السّروي عن أحمد بن حنبل بإسناده عن ابن عبّاس ـ من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى موسى في مناجاته، وإلى عيسى في سمته، وإلى محمّد في تمامه وكماله وجماله، فلينظر إلى هذا الرجل المقبل. قال: فتطاول الناس أعناقهم، فإذا هم بعلي، كأنّما ينقلب في صبب وينحلّ عن جبل. تابعهما أنس، إلاّ أنه قال: إلى إبراهيم في خلّته، وإلى يحيى في زهده، وإلى موسى في بطشه. فلينظر إلى علي بن أبي طالب(3).
هو: اجتماع ما تفرّق من الفضائل والمناقب في الأنبياء في شخص علي عليه السّلام، وهذا يدلُّ على أفضليّته رغم تولّده منهم، وقد بيّنا وجوه دلالة الحديث على ذلك في كتابنا الكبير(4).
فإن قلت:
إذن، ما الفائدة في مخاطبة الأئمّة بقولنا: وسلالة النبيّين؟
قلت: يكفي فضلاً لهم أن المناوئين لهم لم يكونوا من سلالة النبيّين، بل لم تخلص أنسابهم من الفاحشة والسّفاح، فالأئمّة عليهم السّلام فقط سلالة النبيّين دون غيرهم من كبار صحابة رسول الله عليه وآله السّلام.

(1) سورة آل عمران، الآية: 61.
(2) نفحات الأزهار، الجزء الخامس.
(3) مناقب آل أبي طالب 3 / 264.
(4) نفحات الأزهار، الجزء: 19.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *