و التحقيق

و التحقيق
والتحقيق هو : إنه إنْ كان مدلول أدلّة اعتبار الأمارات هو تنزيل مؤدّاها بمنزلة الواقع ، بأنْ يكون المقصود أن ما أخبر به زرارة من وجوب صلاة الجمعة ـ مثلاً ـ هو الواقع ، فالحق مع صاحب الكفاية ، لما ذكره رحمه اللّه … .
لكن الكلام في أصل المبنى ، ولابدّ من النظر في دليل القول بذلك .
لقد استدلّ للقول المذكور .
أمّا ثبوتاً ، فلأنّ مقصود المولى حفظ الواقع ، ولأجل ذلك جعل الأمارات والطرق ، حتى يحصل التحفّظ على الأغراض والأحكام الواقعيّة في ظرف الجهل بها ، فيعتبر خبر زرارة بمنزلة الواقع حتّى يُعمل به فيحفظ الواقع .
وأمّا إثباتاً ، فقد استدلّ ببعض الروايات ، كقوله عليه السّلام : « العمري وابنه ثقتان ، فما أدّيا فعنّي يؤدّيان ، وما قالا لك فعنّي يقولان »(1) لظهوره في تنزيل المؤدّى بمنزلة الواقع .
وفيه نظر .
أمّا ثبوتاً ، فلأنّ حفظ الواقع غير متوقّف على تنزيل مؤدّى الأمارة بمنزلة الواقع ، بل مقتضى الحكمة أن يجعل في ظرف الشك فيه طريقاً موصلاً إليه ، كما هو الحال في الأغراض والمقاصد التكوينيّة ، فإنه يجعل فيها الطريق الموصل إليها ، وهذا هو طبع المطلب ، فإنّه يقتضي جعل الطريق الموصل إليه ، لا جعل غير الواقع بمنزلة الواقع .
وأمّا إثباتاً ، فإنّ الأدلّة على اعتبار الطرق والأمارات على قسمين :
فمنها : الدليل اللبّي ، وهو عبارة عن السّيرة العقلائية ، فهل السّيرة القائمة على العمل بخبر الثقة هي باعتبار كونه هو الواقع التعبدي ، أو أنه طريق إلى الواقع ؟ الحق هو الثاني .
ومنها : الدليل اللّفظي ، وهو دليل إمضاء السيرة العقلائية المذكورة .
على أنّ لسانها لسان جعل الطريق الكاشف عن الواقع ، فمفهوم قوله تعالى ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا … )(2) عدم وجوب التبيّن إنْ كان المخبر غير فاسق ، أي : إنْ كان المخبر غير فاسق فخبره بيانٌ ، أمّا إنْ كان فاسقاً فيجب تحصيل البيان .
وفي قوله عليه السلام : « العمري وابنه ثقتان … » نجد الفاء للتفريع ، فإنّه قد وثّقهما ثم فرّع على ذلك ترتيب الأثر على قولهما ، أي : إنهما ثقتان عندي فما قالاه فهو طريق إلى قولي ، وهذا معنى الرواية لا ما ذكر من أنه تنزيل المؤدّى بمنزلة الواقع .
وبالجملة ، فإنّ لسان الأدلّة اللفظية ومفادها : جعل الطرق إلى الواقع ، وهو المراد من قول العلماء بتتميم الكشف وإسقاط احتمال الخلاف .
فظهر : أن كلّ أمارة عمل بها العقلاء وأسقطوا معها احتمال الخلاف ، فهي تقوم مقام القطع ، كخبر الثقة ، لا ما كان منها مورداً للعمل وترتيب الأثر ـ مع عدم إلغاء احتمال الخلاف ـ كما في اليد ، فإنّها أمارة على الملكية عند العقلاء ، لكنّ أماريّتها ليست بإسقاط احتمال الخلاف ، بل هو يحتملون في موردها عدم الملكية ، لكنّهم يرتّبون أثر الملكية عليها من جهة أنه « لو لم يجز هذا لم يستقم للمسلمين سوق » كما في الرواية(3) .

(1) وسائل الشيعة 27 / 138 ، الباب 11 من أبواب صفات القاضي ، رقم : 4 .
(2) سورة الحجرات : 6 .
(3) وسائل الشيعة 27 / 292 ، الباب 25 من أبواب كيفيّة الحكم ، رقم : 2 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *