حالات المكلّف بين الرسائل و الكفاية

حالات المكلّف بين الرسائل و الكفاية
قد عرفت موارد الفرق بين كلامي الشيخ والكفاية ، ويبقى أنّ الشيخ قائل بالتثليث ، وقد اُورد عليه بوجوه:
عمدتها ما أشار إليه صاحب الكفاية من لزوم تداخل الأقسام ، فقد يكون المكلّف شاكّاً في الحكم إلاّ أن عنده دليلاً معتبراً عليه ، فمقتضى القاعدة الأخذ بالدليل وعدم جريان الأصل في حقّه ، وقد يكون ظانّاً به بظن غير معتبر ، فهو حينئذ للأصل العملي . فيلزم أن يكون المكلّف في بعض موارد الظنّ محكوماً بحكم الشك ، وفي بعض موارد الشك محكوماً بحكم الظن . وهذا هو التداخل .
وأيضاً ، فإنّ مقتضى تقسيم الشيخ أن تكون أحكام القطع مرتّبةً على القطع الواقعي ، والحال أنها غير مختصّة به بل تعمّ الظاهري أيضاً ، فتدخل فيه مباحث الأمارات ، فخبر الثقة ـ مثلاً ـ يُفيد الظن بالحكم الواقعي والقطع بالحكم الظاهري ، كالإستصحاب وغيره من الاصول الشرعيّة .
فظهر : أن المكلّف إمّا قاطع بالحكم ، أعمّ من الواقعي والظاهري ، وإمّا هو غير قاطع به ، فإن كان انسدادياً ـ كالميرزا القمي ـ فالمبنى حكومة العقل بحجية الظن ، وإلاّ فالمرجع هو الأصل .
وهذا مراد المحقق الخراساني ووجه عدوله إلى التقسيم الثنائي .
وقد اُورد على هذا التقسيم(1) بأنّه ليس تقسيماً للمباحث الاصوليّة الواردة في الكتاب ، بل هو تقسيمٌ بلحاظ ما يترتّب عليها أحياناً ـ كما لو ترتّب اليقين على البحث عن حجيّة الخبر أو ثبوت الاستصحاب ـ والمفروض كون النظر في التقسيم إلى أنْ يكون إجمالاً لأبحاث الكتاب .
ثم قال في الكفاية :
وإنْ أبيت إلاّ عن ذلك ، فالأولى أن يقال: إنّ المكلّف إما أن يحصل له القطع أوْلا ، وعلى الثاني : إمّا أنْ يقوم عنده طريق معتبر أوْلا …(2) .
أي : وإنْ أبيت عن التثليث ، فالأولى أن يقال فراراً من لزوم التداخل … .
أقول :
وهذا التقسيم أيضاً مخدوش فيه ، فإنه يرد عليه الإشكال ـ كما جاء في حاشية المحقق الإصفهاني أيضاً ـ بما حاصله :
إنّ هذا التقسيم يتناسب مع فهرست الكتاب الذي يذكر فى آخره للإطّلاع على مطالبه ، ولا يتناسب مع بحوثه ، لأن المبحوث عنه في الكتاب هو حجيّة الإمارة ، وأنّه هل هي حجّة أوْلا ، لا الأمارة المعتبرة ، فقوله : « إمّا أن يقوم عنده طريق معتبر أوْلا » أخذٌ للحكم في الموضوع ، وهذا غير صحيح(3) .
ويرد عليه أيضاً : إن الغرض من هذا التقسيم درج مباحث الحجج في القطع بالحكم الظاهري، ولكنّ هذا ينافي ما ذهب إليه من أن المجعول في مواردها هو المنجزيّة والمعذريّة وليس الحكم الظاهري .
وأمّا الإيراد: بأنّ الحكم الظاهري مورده عدم العلم بالحكم الواقعي ، فهو بطبعه في طول الحكم الواقعي ، فلو جعل التقسيم ثنائيّاً لجَمَع بين العلم بالحكم الواقعي وعدم العلم به في مقام التقسيم، ويصير ما في طول الحكم طبعاً في عرضه وضعاً .
فيمكن دفعه : بأنّ قولنا : خبر الثقة حجة ، يعمّ الخبر بلا واسطة والخبر مع الواسطة ، مع أنّ الثاني في طول الأوّل ، ولا يصدق عليه العنوان إلاّ بعد صدقه عليه .

(1) نهاية الدراية 3 / 17 ، نهاية الأفكار ق 1 ج 3 ص 5 .
(2) كفاية الاصول : 257 .
(3) نهاية الدراية 3 / 16 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *