هل يكفي وصول العوضين أو أحدهما مع الرضا؟

وإنْ كان راضياً بذلك، فقد ذكر الشيخ ـ في التنبيه السّابع ـ أنّ الرّضا لا يكون مشرّعاً، وعليه، فلا أثر للرّضا أصلاً، فكيف يقول هنا في آخر كلامه:
هل يكفي وصول العوضين أو أحدهما مع الرضا؟
فالمعيار في المعاطاة: وصول المالين أو أحدهما مع التراضي بالتصرّف، وهذا ليس ببعيد على القول بالإباحة.
أللهم إلاّ في الموارد التي قامت السّيرة عليها وتمّ استكشاف رأي المعصوم بتلك السّيرة، فالمعاطاة متحقّقة فيها فقط، ولا يجوز التعدّي عنها إلى غيرها، أخذاً بالقدر المتيقّن من السّيرة.
والحاصل: أن ما قال «ليس ببعيد» بعيد جدّاً.
وتحرير الكلام في المقام:
إنّ المعاوضة بين المالين: جعل أحدهما عوضاً عن الآخر في جهة، وأمّا الإباحة في مقابل الإباحة، فإنها معاوضة بين الإباحتين لا بين المالين، وهذا إشكال آخر على كلام الشيخ رحمه اللّه، وقد تقدّم أنّ التمليك أمر إراديّ ينشؤه الإنسان ويُوجده في الخارج، ويسمّى إنشاءً لكونه ناشئاً من النفس، فإذا أنشأ فقد جعل المعاوضة بين المالين في الملكيّة، وعندنا أنّ هذا بيع عرفيّ والعمومات والإطلاقات شاملة له، وأمّا الشرائط، فلا دليل على دخلها في إفادة الملكيّة ـ بخلاف شرائط العوضين والمتعاقدين ـ وعليه، فلا وجه للقول بفساد العقد الفاقد لبعض الشرائط، بل العقد صحيح، فإنْ كانت دخيلةً في لزومه، فالعقد الفاقد لبعضها جائز غير لازم وحكمه حكم المعاطاة، وإنْ لم يكن لها دخل في اللّزوم، فما أنشأه بالقول مع وجدان شرائط العوضين والمتعاقدين بيع لازم.
وعلى ما ذكرنا، فلا حاجة إلى الجمع بين كلمات المحقق والعلاّمة، وقول المحقق والشهيد الثانيين.
قوله:
وربما يجمع… فيقال:
أقول:
هذا الجمع من صاحب مفتاح الكرامة، وحاصله: إن من قال: بأنّ مثل هذه الصّيغة حكمها حكم المعاطاة، قال بذلك فيما إذا كان الإقباض من باب الرّضا المطلق، ومن قال: بأنه فاسد ولا يجوز التصرّف في المأخوذ، قال بذلك فيما إذا أنشأ التمليك فاقداً للشرائط وكان إقباضه جرياً على مقتضى العقد.
وبعبارة اخرى: إن كان رضاه منوطاً بالعقد، فلا أثر له، وإنْ لم يكن منوطاً به، كان مؤثّراً وبحكم المعاطاة.
قوله:
المفروض أنّ الصيغة الفاقدة لبعض الشرائط لا تتضمّن إلاّ إنشاءً واحداً هو التمليك، ومن المعلوم أنّ هذا المقدار لا يوجب بقاء الإذن الحاصل في ضمن التمليك بعد فرض انتفاء التمليك، والموجود بعده… .
أقول:
هذا إشكال الشيخ على وجه الجمع المذكور.
وببيان أوفى: إنّ المفروض عندهم أنّ الشرائط دخيلة في صحّة العقد، فلا أثر للعقد الفاقد لبعض الشرائط، لكن إنحلال إنشاء التمليك إلى إنشائين أحدهما التمليك والآخر الرضا بالتصرّف، غير معقول، على أن إنشاء الرّضا بتصرف الغير فيما يملكه لغو.
وعلى الجملة، فإن الانشاء أمر بسيط، وليس بمركّب، والإقباض رضا بالتصرّف، فإن كان رضىً بفعل نفسه حيث أوصل مال الغير إلى صاحبه، فهذا باطل، وإنْ كان إقباضه بقصد التمليك، فهو معاطاة خارجيّة صحيحة قد اقترنت بعقد فاسد، ولا يضرّ بها اقترانها به، وإنْ كان إباحة في مقابل إباحة، فهذا ليس من المعاطاة في شيء ولا أثر له، كما تقدَّم فى التنبيه الرابع، وإنْ كان رضىً بالتصرّف بشاهد الحال، فيترتّب عليه آثار الإباحة المجانيّة ولا ربط له بالمعاطاة حتى تترتّب عليه آثارها.
وتلخّص: إن العقد فاسد، ولا أثر للإقباض الحاصل بعده أصلاً.
وقال المحقّق الخراساني: إنّ الصّيغة المفروضة وإنْ لم تتضمّن إلاّ إنشاءً واحداً، والمفروض فسادها، للإخلال ببعض ما اعتبر فيها، إلاّ أنّ الصحّة والفساد لمّا كان من الامور الإضافية كما أشرنا إليه في بعض الحواشي السّابقة، كان فساد الصّيغة المنشأ بها التمليك بما هي عقد البيع، ولا يترتّب عليها شيء ممّا يكون من آثار العقد، من اللّزوم وغيره، لا ينافي كونها معاطاة وداخلة في المسألة التي تكون معركة الآراء وصحيحة بما هو بيع عند بعض وإباحة عند آخر، إلى غير ذلك من الأقوال فيها، والحكم بضمان المقبوض بالعقد الفاسد يمكن أن ينزّل على أنه حكم اقتضائي لا فعلي، بمعنى أن قضيّة فساده بما هو عقد ذلك لو لم يجئ في البين الحكم بصحّته بوجه آخر، أي بما هو بيع بغير العقد. وهذا أحسن ما يقال توفيقاً بين ما ذكر في المقامين. فتفطّن(1).
وخلاصته: إن العقد الواقع فاسد من حيث العقديّة، وصحيح من حيث المعاطاتية، والضّمان هو من باب الإقتضاء وعدم الضّمان من حيث المعاطاتيّة.
وما ذكره في غاية البعد عن كلام القوم، فإنّ حكمهم بالفساد مطلق لا حيثي، وقولهم بالضمان هو بالفعل لا بمجرّد الاقتضاء.
وبعد، فقد ذكرنا سابقاً أن التمليك أمر إرادي إلاّ أنه يؤثر إذا أنشأه، فإن قلنا في تحقق المعاطاة بكفاية إعطاء كلّ منهما ماله للآخر، فإنّ العقد اللّفظي الفاقد للشرائط وإنْ كان فاسداً من حيث التأثير، إلاّ أنه يكفي لأن يكون مبرزاً للإرادة النفسانيّة للتمليك، فإذا تحقّق الإنشاء والإبراز لما في الضمير والتعاطي في الخارج، فقد تحقّقت المعاطاة، وهذا مراد المحقق والشهيد الثانيين، وحينئذ يكون الواقع معاطاةً حقيقةً لا بحكم المعاطاة كما تقدّم منّا.
وعلى الجملة، إنه لا يعتبر في المعاطاة آليّة الفعل للإنشاء، بل المعتبر فيها أنْ تكون واجدةً للتعاطي والإنشاء، والمركّب منهما محقق للمعاطاة، والمفروض تحقّق الأمرين في هذه الصّورة، فالمعاطاة محقّقة.
والحاصل: إنه فاسدٌ إنْ لم يكن التعاطي بعد الإنشاء أو كان الوصول قهريّاً، وهو صحيح إن كان جامعاً للشرائط وإنْ لم يكن إيصال. أمّا لو وقع العقد الفاسد لفقد بعض الشرائط ولكنْ تحقّق الإيصال بعده، فقد تحقّقت المعاطاة.
وهكذا يتمّ الجمع بين القولين.
وهذا تمام الكلام في المعاطاة.
انتهى الجزء الأوّل وسيتلوه الجزء الثاني.

(1) حاشية المكاسب: 26.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *