في الإجارة؟

في الإجارة؟
أقول:
أمّا في إجارة الأعيان كالدّار والبستان، فالمعاطاة جارية، لصدق عنوان الإجارة على المعاطاة الخارجيّة، وكذلك في الهبة ـ وهي في الأعيان دائماً ـ للصّدق بلا إشكال.
إنما الكلام في إجارة الأعمال، والإنصاف أنه مشكلٌ، للإشكال في تحقّق مضمون الإجارة بالمعاطاة، لأنّ إجارة العمل هي أنْ يملك المستأجر العمل في ذمّة الأجير، والإيجاب في الإجارة يكون دائماً من طرف الأجير، فأمّا قبل العمل، فلا دليل على كونه ملكاً للمستأجر حتى يوجده الأجير، وأمّا بعد العمل، فلا شيء حتى يكون ملكاً للمستأجر. والقول بأنه لو أخذ الأجير الأجرة قبل العمل ـ مع أنه لا يستحقّها ـ كان الأخذ بمنزلة الإيجاب منه لتمليك العمل في ذمّته للمستأجر المعطي للاُجرة، والإعطاء بمنزلة القبول، وكذا لو جاء بالثوب مثلاً إلى الخيّاط، فإنه بمنزلة القبول، وأخذ الخياط الثوب إيجابٌ منه لتمليك الخياطة لصاحب الثوب، تكلّف.
وتلخص: جريان المعاطاة في الهبة.
وأمّا في الإجارة، فلابدّ من التفصيل بين الأعيان، فتجري، والأعمال فلا تجري، فظهر ما في إطلاق قول الشيخ:
الأظهر بناءً على جريانها في البيع جريانها في غيره من الإجارة والهبة… .
وتعرّض للرّهن فقال:
وظاهر المحكّي عن التذكرة: عدم القول بالفصل بين البيع وغيره، حيث قال في باب الرّهن… لكن استشكله في محكيّ جامع المقاصد… ولعلّ وجه الإشكال: عدم تأتّي المعاطاة بالإجماع في الرهن على النحو الذي أجروها في البيع… .
وحاصل كلامه: عدم جريانها في الرّهن على جميع الأقوال، لأنه إنْ كان المقصود بالمعاطاة هو الإباحة، كما عليه صاحب الجواهر، فهذا خلاف المقصود من الرّهن، إذ المقصود منه تصرّف المرتهن فيما يأخذه، وإن كانت المعاطاة مفيدةً للإباحة ـ وإنْ قصد بها التمليك ـ كما عليه المشهور، فكذلك، وإن كانت مفيدةً للملكيّة الجائزة، فهي مباينة للوثاقة الرهنيّة. وأمّا القول بأنّ المعاطاة في خصوص الرّهن مفيدة للّزوم، فهذا خلاف الإجماع على أن العقود اللاّزمة يعتبر فيها اللّفظ.
أقول:
وهو كلام متين جدّاً، لكن لنا أنْ نقول: المعاطاة تفيد الملكيّة، ونسلّم بأنها الملكيّة الجائزة، لكنّ هذا الجواز إنما جاء من ناحية الإجماع، وإلاّ فمقتضى القاعدة هو اللّزوم، وعلى هذا، فكلّ عقد أمكن فيه الجواز واللّزوم، كان الإجماع مانعاً فيه عن اللّزوم، وكلّ عقد لا يتحقّق فيه حقيقة العقد إلاّ باللّزوم، فهو خارج عن القدر المتيقن من معقد الإجماع، والرّهن بعد شمول العمومات له من هذا القبيل، فالمعاطاة جارية فيه وهي معاملة لازمة.
قوله:
ولأجل ما ذكرنا في الرهن، يمنع من جريان المعاطاة في الوقف، بأنْ يكتفى فيه بالإقباض، لأنّ القول فيه باللّزوم مناف لم اشتهر بينهم من توقّف اللّزوم على اللّفظ، والجواز غير معروف في الوقف من الشارع. فتأمّل… .
أي: إنّ الوقف حبس العين وتسبيل المنفعة، فحقيقة الوقف ليس الإباحة بل هو الحبس، وإفادة المعاطاة جواز الوقف لا لزومه ينافي حقيقته، وإنْ قلنا بإفادتها اللّزوم، كان مخالفاً لما أطبق عليه الأصحاب من الاحتياج إلى اللّفظ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *