النقض الرابع

النقض الرابع
قوله:
وبيع الغاصب لنفسه يقع للمالك مع إجازته على قول كثير.
أقول:
إنّ الذي وقع عليه العقد هو البيع لنفسه حتى يدخل العوض في ملكه، لكنّهم يقولون بوقوع العقد للمالك وكون العوض له، فما قصده الغاصب لم يقع وما وقع لم يقصده.
وحلّ المطلب هو: إنّ الغاصب تارة: غير قاصد للمعاملة ولا ينشيء البيع، وقوله: بعتك هذا، كلامٌ صوري، ومثله خارج عن محلّ الكلام وليس بموضوع للإجازة.
وأخرى: يقصد التمليك وينشؤه حقيقةً لنفسه، وهنا قولان:
أحدهما: فساد المعاملة وأنه لا أثر للإجازة من المالك، إذ لا يعقل القول بحصول الملكيّة للغاصب لأنه ليس بمالك للشيء، ولا للمجيز، لأنه إنما يجيز العقد الواقع وقد وقع للغاصب، فلو أجازه المالك لم يقع البيع له بل الغاصب.
والثاني: وهو المشهور: إنه يكون للمالك بإجازته. فيقع الكلام في تصويره:
قال الشّيخ ـ وقرّبه الميرزا الأستاذ(1) ـ بأنّ الغاصب لمّا يبيع الشيء يدّعي كونه ملكاً له، فهو يبيعه بناءً على أنه المالك، فأمّا حيثيّة كونه المالك فلغو، وأمّا حيثيّة كون البيع عن المالك، فتتوقف على الإجازة، فإذا أجاز المالك أثّرت أثرها ويكون البيع له.
وقال السيّد(2): إن البيع عبارة عن مبادلة مال بمال، وليس في البين تعرّض للمالك، كما ليس لحيثيّة المالكيّة دخل مطلقاً في حقيقة البيع، فإذا أجاز المالك فقد أنفذ المبادلة الحاصلة ويقع البيع له.
أقول: وكلامه ـ بحسب الظاهر ـ جيّدٌ ولعلّه مقبول عند غيره أيضاً، إلاّ أنّ الذي أخذته من شيخنا الأستاذ رحمه اللّه ـ وإنْ كان للعمر وفاء بيّنته بالتفصيل في بحث الفضولي ـ هو: إنّ بدليّة الشيء عن الشيء والمبادلة بينهما يحتاج إلى محلّ، لأن البدليّة ليست بمهملة بل هي في شيء، وهو هنا الملكيّة، والملكيّة ربط قائم بين المالك والمملوك، والغاصب عندما يبيع إنّما يبدّل المال بمال في الملكية التي يراها لنفسه، فما ذكره الشيخ هو الصحيح.
وعلى المسلكين، فإن البيع يقع للمالك الحقيقي، فلم يخرج المورد عن القاعدة، لأنّ الغاصب قد قصد البيع للمالك، وقد وقع بالإجازة للمالك، فما قصد قد وقع ولا تخلّف.
والتحقيق: عدم صحّة التقريبين كليهما، وبيان ذلك باختصار هو:
الواسطة تارةً: هي في الثبوت، وأخرى: في العروض، فإنْ كان للوصف العنواني وساطة في ثبوت الحكم على الموضوع ـ والمقوّم للموضوع هو الذات ـ فهو الواسطة في الثبوت، وإنْ كان له دخل في الحكم والمحمول المترتّب على الموضوع، فهو الواسطة في العروض.
فإذا باع الغاصب لنفسه، كانت حيثية المالكيّة الإدّعائية واسطة في الثبوت لا في العروض، لأنه يبيع الشيء بعنوان أنه هو المالك، لا أنه يبيعه عن المالك ليقال أنّ البيع قد وقع للمالك غير أنّه يدّعي كونه هو المصداق وادّعاؤه لغو.
فالحلّ الصحيح يبتني على ما ذهب إليه شيخنا الأستاذ في تعريف البيع من أنه عبارة عن تمليك شيء بشيء، فإنه إذا أجاز المالك فقد أجاز هذا المعنى، فيقع للمالك. والتفصيل في محلّه.
وتلخّص: أنّ ما ذكره الشيخ ليس نقضاً.

(1) المكاسب والبيع 1 / 158.
(2) حاشية المكاسب 1 / 349.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *