النقض الثالث

النقض الثالث
قوله:
وبيع ما يملك وما لا يملك صحيح عند الكلّ
أقول:
قال المشهور ـ بل الكلّ ـ بأنّ البيع يقع فيما له ويكون بالنّسبة إلى مالغيره موقوفاً على إجازة المالك، فإنْ لم يجز كان للمشتري خيار تبعّض الصفقة، فالبيع يقع فيما يملك فقط، مع أن المقصود هو بيع المجموع بما هو مجموع.
وبعبارة أخرى: قد قصد بيع الكلّ، والذي وقع بيع الجزء ـ والجزء يغاير الكلّ ـ فما قصد لم يقع، وما وقع لم يقصد.
ولكن هذا لا ينقض القاعدة، لأن الحلّ هو: أنه قد أنشأ التمليك، وهو إنما يؤثّر في المورد القابل، والقابليّة هنا إنما هي لِما هو مملوكٌ له دون غيره.
وبعبارة أخرى: إنّ الأمور المتعدّدة لا يعقل قيام الملكية الواحدة بها، فإنّ شأن الملكية هنا شأن العرض، ولا يعقل قيام العرض الواحد ـ لبساطته ـ بالمتعدّد، فعندما يبيع عشرة أشياء ـ مثلاً ـ يوجد في الحقيقة عشرة ملكيّات، فلو كان بعض المبيع غير مملوك له، فقد ملّك المملوك وغيره بملكيّتين، لكنّ أحداهما النافذة شرعاً تتحقّق، والأخرى غير النافذة شرعاً لا تتحقّق. فالمقصود ـ وهو إحدى الملكيّتين المتعلّقة بما يملك ـ واقع، والمقصود الآخر بلحاظ أنه لم يكن ملكاً له، غير واقع[1].
[1] وأشكل بعض مشايخنا: بالنقض بلحاظ الشيء الواحد ذي الأجزاء كالدار مثلاً، فإنّ اللّحاظ لا يتعدّد بتعدّد أجزاء الدار… فهذا في الأمر الحقيقي الواقعي، وكذلك في الأمر الاعتباري كالصّلاة، فإنها ذات أجزاء ارتباطيّة ولا لحاظ لكلّ جزء جزء منها.
وأمّا حلاًّ، فإن الملكيّة أمر اعتباري، ولا مانع من تعلّقه بالمتعدّد.
فنقض الشيخ وارد.
قلت: إنْ كان المبيع شيئين مستقلّين، فقد باع شيئين وصدر منه تمليكان، وأمّا مثال الدّار ونحوه، فهناك وحدة معتبرة لها دخل في المطلب. فالنقض غير وارد.
وأمّا الحلّ، فأوّل الكلام، لأنّ السيّد الجدّ يقول بأن حكم الملكيّة حكم العرض، والعرض الواحد لا يعرض على الأكثر من الواحد.
وقال المحقق الخوئي: بأنّ البيع المذكور وإنْ كان واحداً بحسب الصورة، ولكنه منحلّ إلى بيعين، غاية الأمر أن أحدهما صحيح منجّزاً والآخر صحيح مشروطاً بإجازة المالك، والسرّ في ذلك: إن حقيقة البيع متقوّمة بإنشاء تبديل شيء من الأعيان بعوض في جهة الإضافة كما تقدّم، ومن البديهي الذي لا ريب فيه أنّ هذا المعنى لا ربط له بقصد المالكين ومعرفتهما، وعليه، فقصد البائع كون العقد لنفسه أو لغيره خارج عن حدود البيع، وإذنْ، فلا يوجب ذلك تخلّف العقد عن القصد بوجه. نعم، مع عدم إجازة المالك يثبت للمشتري خيار تبعّض الصفقة، ولكنه بعيد عن تخلّف العقد عن القصد الذي هو محلّ الكلام»(1).
وأشكل عليه شيخنا دام بقاه: بأنّ هذا لا يرفع الإشكال، لأنّ المفروض أن البائع قد باع المالين بشرط الانضمام، فيكون المقصود كلا المالين كذلك، والواقع أحدهما دون الآخر، فالتخلّف حاصل.
قلت: هل المراد كون المبيع واحداً ذا أجزاء، أو مالين مستقلّين يضمّ أحدهما بالآخر، أو مالين غير مستقلّين بينهما انضمام كزوج حذاء مثلاً؟
قد مثّل شيخنا بالثالث، وليس بمراد، كما أنّ الأوّل ليس بمراد، بل المراد هو الثاني، وحينئذ، ينطبق عليه كلام المحقق الخوئي.

(1) مصباح الفقاهة 2 / 108.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *