القاعدة الأولى

القاعدة الأولى
أقول:
إن من المسلّمات في الفقه أنّ العقد تابع للقصد، فإنْ لم تفد المعاطاة الملكيّة يلزم انخرام هذه القاعدة.
والتبعيّة تارةً ماهويّة، وهي تبعيّة المعلول للعلّة، وأخرى: تبعيّة الشيء لشيء في أثره، فهل التبعيّة هنا ماهويّة أو في الأثر؟
كلاهما جائز، فقد ذكرنا آنفاً في مفاد قوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) أنّ العقدية عبارة عن الارتباط بين التمليكين، حيث يقرّر الطرفان ويتعاهدان على أنْ يملّك كلّ منهما ماله إلى الآخر على نحو المقابلة، وهذا المعنى لا يحصل بلا قصد، لكونه من الأمور الإراديّة.
إنّ قوام عقديّة العقد هو القصد فلا يتحقّق إلاّ به، فالمعنى الأوّل صحيح.
ويصحُّ أن نقول: بأنّ العقود تتبع القصود في تأثيرها، فالأثر الذي يقصده الإنسان يفيده العقد، فهو يؤثّر فيما قصد ولا يؤثّر فيما لا يقصد، إذ لو أراد التأثير فيما لم يقصد لم تكن التبعيّة، فالتبعيّة في التأثير مستلزمة للأمرين الإيجابي والسّلبي معاً.
وعلى هذا، فالإباحة التي يقول القائلون بها غير مقصودة، والملكيّة التي قصدها المتبايعان لم تقع. وهذا ينافي القاعدة المسلّمة عند الكلّ.
هذا بيان ما ذكره كاشف الغطاء رحمه اللّه.
قوله:
أمّا حكاية تبعيّة العقود وما قام مقامها للقصود، ففيها: أوّلاً: إنّ المعاطاة ليست عند القائل بالإباحة المجرّدة من العقود… .
أقول:
جوابه متين، وإنْ كان لا يخلو من إجمال، ولذا أشكلوا عليه، وحاصل كلامه:
إن المعاطاة عند القائلين بإفادتها الإباحة، ليست عقداً شرعيّاً ليكون سبباً للتمليك، ولا دليل على صحّتها حتى تتمّ التبعيّة فيها، وإنما يقولون بالإباحة بها بدليل مستقل. وبعبارة أخرى: إنه ما لم يقم الدليل الشرعي على الصّحة، فالعقد فاسد ولا يترتب عليه الأثر، والتبعيّة إنّما تكون حيث يقوم الدليل على الصحة، ومع عدمه فلا مجال للقول بوقوع التخلّف. وأيضاً، فإن المقصود من العقد في القاعدة هو العقد الكاشف عن التسبيب والتسبّب وهو اللفظي، والفعل ليس له هذه الكاشفية فليس بعقد.
وبما ذكرنا ظهر أنّ الشيخ لا يقول بإفادة المعاطاة للإباحة كالعقد اللّفظي، فلا ضير في عدم تبعيّتها للقصد، حتى يشكل عليه: بأن قاعدة التبعيّة تعمُّ اللّفظ والقول.
كما لا مجال حينئذ لقول المحقق الخراساني رحمه اللّه من: أنه يمكن أنْ يكون مقصود القائلين بالإباحة أنّ إفادة الملكيّة مشروطة بالتصرّف أو التلف، فالأثر غير منفك عن العقد، غير أنّ الملكية منوطة بحكم الشرع بشرط، كما هو الحال في بيع الصرف(1)… إذ لا تساعد كلماتهم على هذا التأويل.
قال: «نعم، إذا دلّ الدليل على ترتب أثر عليه حكم به وإنْ لم يكن مقصوداً» هذا كلّه في الجواب الأوّل.
قوله:
وثانياً: إن تخلّف العقد عن مقصود المتبايعين كثير.
أقول:
مقصوده: إن هذا السنخ من التخلّف ـ بمعنى أنْ لا يمضي الشارع ما قصده المتبايعان ويترتّب حكم آخر على ما أوقعاه ـ كثير. أي: إنه تخلّف صورةً لا على حقيقته، وإنْ كانت عبارته موهمة لكنه لا يريد ذلك قطعاً.
فذكر من موارد النقض خمسةً:

(1) حاشية المكاسب: 16.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *