الإرادة التكوينية و الجبر

الإرادة التكوينية و الجبر:
ويبقى سؤال: إذا كانت الإرادة هذه تكوينيّة، فمعنى ذلك أن نلتزم بالجبر، وهذا لا يتناسب مع ما تذهب إليه الإماميّة من أنّه لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين، هذه الشبهة موجودة في الكتب، وممّن تعرّض لها ابن تيميّة في كتابه المعروف ]منهاج السنّة[(1).
وقد أجاب علماؤنا عن هذه الشبهة في كتبهم بوجوه، منها: ما ملخّصه:
إنّ اللّه سبحانه وتعالى لمّا علم أنّ هؤلاء لا يفعلون إلاّ ما يؤمرون، وليست أفعالهم إلاّ مطابقةً للتشريعات الإلهيّة من الأفعال والتروك، وبعبارة أُخرى: جميع أفعالهم وتروكهم تكون مجسّدة للتشريعات الإلهيّة، فليس فيما يفعلون ويتركون إلاّ ما يحبّه اللّه أو يبغضه ويكرهه سبحانه وتعالى، فلمّا علم عزّ وجلّ منهم هذا المعنى لوجود تلك الحالات المعنويّة في ذواتهم المطهّرة المانعة من الإقتحام في الذنوب والمعاصي، والتلبّس بما لا يليق بهم، جاز له سبحانه وتعالى أن ينسب إلى نفسه إرادة إذهاب الرجس عنهم.
وهذا جواب علميّ يعرفه أهله ويلتفت إليه من له مقدار من المعرفة في مثل هذه العلوم، والبحث لدقته لا يمكن أن نتكلّم حوله بعبارات مبسّطة أكثر ممّا ذكرته لكم، لأنّها اصطلاحات علميّة، ولابدّ وأن يكون السامعون على معرفة مّا بتلك المصطلحات العلميّة الخاصّة.
وعلى كلّ حال لا يبقى شيء في الإستدلال، إلاّ هذه الشبهة، وهذه الشبهة قد أجاب عنها علماؤنا، وبإمكانكم المراجعة إلى الكتب المعنيّة في هذا البحث بالخصوص، حتّى في كتب علم الأصول أيضاً.
أتذكّر أنّ بعضهم يتعرض لمبحث آية التطهير بمناسبة حجيّة سنّة أهل البيت، ومنهم العلاّمة الكبير السيّد محمّد تقي الحكيم في كتابه ]الأصول العامّة للفقه المقارن[ هناك يطرح مبحث آية التطهير، ويذكر هذه الشبهة ويجيب عنها بما ذكرت لكم بعبارة مبسّطة بقدر الإمكان(2) وهناك أيضاً موارد أُخرى يتعرّضون فيها لهذه الشبهة وللإجابة عنها(3).
وحينئذ، إذا كان المراد من أهل البيت خصوص النبي والأربعة الأطهار، وإذا كان المراد من إذهاب الرجس إذهاب الذنوب وكلّ ما ينافي العصمة، والإرادة هذه إرادة تكوينيّة لا تتخلّف، فلا محالة ستكون الآية المباركة دالّة على عصمة الخمسة الأطهار فقط.
ومن يدّعي العصمة لزوجات النبي؟ ومن يتوهّم العصمة في حقّ الأزواج، لا سيّما التي خالفت قوله تعالى: (وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ)(4)، الآية المباركة الواردة في نفس السورة، والتي تكون آية التطهير في سياق تلك الآية؟ وهل يكفي أن يقال بأنّها ندمت عمّا فعلت وكانت تبكي؟ فخروجها على إمام زمانها أمر ثابت بالضرورة، وبكاؤها وتوبتها أمر يروونه هم(5)، ولنا أن لا نصدّقهم، ومتى كانت الرواية معارضة للدراية؟ ومتى جاز لنا رفع اليد عن الدراية بالرواية؟ وكيف يُدّعى أن تكون تلك المرأة من جملة من أراده اللّه سبحانه وتعالى في آية التطهير؟
نعم، يقول به مثل عكرمة الخارجي العدوّ لأمير المؤمنين بل للنبي وللإسلام.

(1) منهاج السنّة 3 / 17.
(2) الأصول العامة للفقه المقارن: 150.
(3) أنظر: تفسير الأمثل 13 / 336، ورسائل ومقالات السبحاني: 563.
(4) سورة الأحزاب (33): 33.
(5) سير أعلام النبلاء 2 / 193.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *