إضطرابهم في الجواب

وقد اشتدّت الحيرة هنا وكثر الاضطراب… كما كان الحال تجاه ما فعل ابن الخطّاب… .
1 ـ فالسّرخسي أراح نفسه بتحريف الحديث!! قال: «… لما روى عن السائب بن يزيد قال: كان الأذان للجمعة على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين يخرج فيستوي على المنبر، وهكذا في عهد أبي بكر وعمر، ثم أحدث الناس الأذان على الزوراء في عهد عثمان»(1).
قال: «… هكذا كان على عهد رسول اللّه والخليفتين من بعده، إلى أن أحدث الناس الأذان على الزوراء على عهد عثمان»(2).
2 ـ والفاكهاني أنكر أن يكون عثمان هو الذي أحدث الزيادة فقال: «إن أول من أحداث الأذان الأول بمكة الحجاج وبالبصرة زياد»(3).
3 ـ وشرّاح البخاري ادّعوا قيام الإجماع السكوتي!! على المسألة… قالوا: شرّع باجتهاد عثمان وموافقة سائر الصحابة له بالسكوت وعدم الإنكار، فصار إجماعاً سكوتيّاً»(4).
4 ـ وقال ابن حجر: «الذي يظهر أن الناس أخذوا بفعل عثمان في جميع البلاد إذ ذاك، لكونه خليفة مطاع الأمر»(5).
5 ـ وقال بعض الحنفيّة: «الأذان الثالث الذي هو الأوّل وجوداً إذا كانت مشروعيّته باجتهاد عثمان وموافقة سائر الصحابة له بالسكوت وعدم الإنكار صار أمراً مسنوناً، نظراً إلى قوله: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين»(6).
وأجاب هؤلاء ـ المدافعون عن عثمان ـ عما رووا عن عبد اللّه بن عمر، بما ذكر ابن حجر:
«فيحتمل أن يكون قال ذلك على سبيل الإنكار. ويحتمل أنه يريد أنه لم يكن في زمن النبي، وكلّ ما لم يكن في زمنه يسمّى بدعة، لكن منها ما يكون حسناً، ومنها ما يكون بخلاف ذلك»(7).
أقول:
كانت تلك الوجوه التي ذكروها لتبرير ما فعله عثمان:
فأمّا الوجهان الأول والثاني، فلا يعبأ بهما ولا يصغى إليهما.
وأمّا الوجه الثالث، فقد اشتمل على:
أ ـ اجتهاد عثمان
وفي الاجتهاد ـ واجتهادات الخلفاء خاصّة ـ بحث طويل ليس هذا موضعه، وعلى فرض القبول، فهل يجوز الاجتهاد في مقابل النص؟!
ب ـ موافقة الصحابة له بالسكوت وعدم الإنكار
وفيه:
أوّلاً: ما الدليل على سكوتهم وعدم إنكارهم؟! فلقد أنكروا عليه يقيناً ولما ينقل كما نقل قول ابن عمر.
وثانياً: إن السكوت أعمّ من القبول والرضا.
ج ـ الإجماع السكوتي
وفيه:
أوّلاً: في حجية الإجماع كلام.
وثانياً: أنه يتوقف على السكوت الدالّ على الرضا والموافقة.
وثالثاً: أنه يتوقف على حجية الإجماع السكوتي.
وأمّا الوجه الرابع، ففيه: إن أخذ الناس بفعل عثمان لا يقتضي مشروعيّة فعله، والخليفة إنما يطاع أمره إذا كان آمراً بما أمر اللّه ورسوله به، وبه أحاديث كثيرة.

(1) المبسوط في الفقه الحنفي 1 / 134.
(2) المبسوط في الفقه الحنفي 2 / 31.
(3) فتح الباري شرح البخاري 2 / 327، تحفة الأحوذي 3 / 40.
(4) إرشاد الساري 2 / 178، الكواكب الدراري 6 / 27، عمدة القاري 6 / 211.
(5) فتح الباري 2 / 327.
(6) تحفة الأحوذي 3 / 40.
(7) فتح الباري 2 / 327.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *