کلام ابن تيمية و الرد عليه

والرابع: ثم إن الإمام عليه السلام أراد أن يقتصّ منه، قالوا: فهرب إلى معاوية وكان معه في صفين فقتل.
هذا، وقد جاء المدافعون عن عثمان يدّعون أنه قد عفي عن عبيد اللّه. إلا أنه كلام باطل جدّاً، وقد ردّ عليه علماء القوم أيضاً، قال ابن حجر: «لأن عليّاً استمرّ حريصاً على أن قتله بالهرمزان، وقد قالوا إنه هرب لما ولّي الخلافة إلى الشام، فكان مع معاوية إلى أن قتل معه بصفّين، ولا خلاف في أنه قتل بصفين مع معاوية، واختلف في قاتله، وكان قتله في ربيع الأوّل سنة 36»(1).
قال ابن عساكر: «قد قيل إن عثمان إنما ترك قتله، لأن ابن الهرمزان عفا عنه، ثم روى الخبر في ذلك، وهو عن «سيف بن عمر» الكذّاب بالاتفاق(2)، ويكذّبه كلام ابن حجر السابق، وكذا ابن الأثير إذ قال: «وهذا أيضاً فيه نظر، فإنه لو عفا عنه ابن الهرمزان لم يكن لعلي أن يقتله، وقد أراد قتله لما ولي الخلافة… فهرب منه إلى معاوية»(3).
فتلخص: أن عثمان قد عطّل حدّ اللّه، والدفاع عنه باحتمال عفوه أو عفو ابن الهرمزان ساقط… فللنظر في كلام ابن تيمية في المقام، فإنه قال(4):
«إذا كان الهرمزان ممن أعان على قتل عمر، جاز قتله في أحد القولين قصاصاً، وعمر هو القائل في المقتول بصنعاء: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لأقدتهم به… وإذا كان الهرمزان ممن أعان على قتل عمر كان من المفسدين في الأرض المحاربين، فيجب قتله لذلك، ولو قدّر أن المقتول معصوم الدم يحرم قتله، كان القاتل يعتقد حلَّ قتله لشبهة ظاهرة، صار ذلك شبهةً تدرأ القتل عن القاتل، وإذا كان عبيد اللّه بن عمر متأوّلاً يعتقد أن الهرمزان أعان على قتل أبيه وأنه يجوز له قتله، صارت هذه شبهةً يجوز أن يجعلها المجتهد مانعة من وجوب القصاص… وأيضاً، فالهرمزان لم يكن له أولياء يطلبون دمه، وإنما وليّه ولي الأمر وكان له العفو عنه… وبكلّ حال فكانت مسألة اجتهادية… .
وأمّا قوله: إن عليّاً كان يريد قتل عبيد اللّه بن عمر، فهذا لو صحّ كان قدحاً في علي، والرافضة لا عقول لهم…».
فهو يقول: «إذا كان الهرمزان ممن أعان…» ولا يذكر له إسناداً أصلاً، وإنما يقول عن أبي لؤلؤة «وكان بينه وبين الهرمزان مجانسة، وذكر لعبيد اللّه بن عمر أنه رؤي عند الهرمزان، فكان ممن اتهم بالمعاونة على قتل عمر».
ثم يدّعي أن عبيد اللّه متأوّل والحدود تدرء بالشبهات.
ثم يدعي عفو عثمان.
لكن الأخبار والكلمات الماضية، تكفي لدفع هذه المزاعم.
وأمّا قدحه في أمير المؤمنين وسبّه لشيعته، ففي كتابه كثير مثله ولا نتعرَّض له… .

(1) الإصابة 5 / 43.
(2) تاريخ دمشق: 38 / 67.
(3) أسد الغابة 3 / 343.
(4) منهاج السنّة 6 / 280.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *