(عليٌّ سيف اللّه) حديث رواه الفريقان/ (عليٌّ سهم الله) حديث رواه الفريقان

عليٌّ سيف اللّه وسهمه
قال قدس سرّه: وقال فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: علي سيف اللّه وسهم اللّه. وقال علي عليه السلام على المنبر: أنا سيف اللّه على أعدائه ورحمته لأوليائه.
الشرح:
وقال ابن تيمية: «وأمّا قوله: وقال فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: علي سيف اللّه وسهم اللّه، فهذا الحديث لا يعرف في شيء من كتب الحديث، ولا له إسناد معروف، ومعناه باطل، فإن عليّاً ليس هو وحده سيف اللّه وسهمه. وهذه العبارة يقتضي ظاهرها الحصر»(1).
أقول:
هذان الحديثان من الأحاديث المتفق عليها بين الفريقين، ولا ريب أن المتفق عليه أولى بالاستدلال من المنفرد به ولو كان صحيحا عند المستدل، فكيف لو لم يكن بسند صحيح؟
وقد روى الحديث الأوّل من علماء أهل السنّة: الخركوشي في (شرف النبوة) وعنه المحبّ الطبري:
«عن أنس بن مالك قال: صعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم المنبر، فذكر قولاً كثيراً، ثم قال: أين علي بن أبي طالب؟ فوثب إليه فقال: ها أنا ذا يا رسول اللّه، فضمّه إلى صدره وقبّل بين عينيه وقال بأعلى صوته:
معاشر المسلمين، هذا أخي وابن عمي وختني، هذا لحمي ودمي وشعري، هذا أبو السبطين الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، هذا مفرّج الكروب عني، هذا أسد اللّه وسيفه في أرضه على أعدائه، على مبغضه لعنة اللّه ولعنة اللاّعنين، واللّه منه برئ وأنا منه برئ، فمن أحبّ أن يبرأ من اللّه ومني فليبرأ من علي، وليبلغ الشاهد الغائب. ثم قال: إجلس يا علي، قد عرف اللّه لك ذلك.
أخرجه أبو سعيد في شرف النبوة»(2).
هذا، وقد روى الشيخ الحافظ صدر الدين الحموئي بإسناده عن أبي زبير عن جابر بن عبد اللّه قال:
«كنت يوماً مع النبي صلى اللّه عليه وسلم في بعض حيطان المدينة ويد علي في يده، فمرّ بنخل فصاح النخل: هذا محمد سيد الأنبياء وهذا علي سيد الأوصياء أبو الأئمة الطاهرين. ثم مررنا بنخل فصاح النخل: هذا محمد رسول اللّه وهذا علي سيف اللّه. فالتفت النبي إلى علي فقال: يا علي سمه الصيحاني. فسمي من ذلك اليوم بالصيحاني»(3).
ورواه عنه الحافظ الزرندي(4) والحافظ السمهودي، في أسماء تمور المدينة المنوّرة(5) من دون تكلّم في سنده وإنما قالا: «حديث غريب».
تنبيه:
قد روي خبر النخل الصيحاني في كتب أهل السنة عن أمير المؤمنين، وأبي بكر، لكن بلفظ ليس فيه «سيف اللّه»، ولما كان من أخبار فضائل أمير المؤمنين عليه السلام التي يروونها بأسانيدهم، كان من المناسب ذكره في المقام.
وهو ما رووه بأسنادهم عن أحمد بن نصر الذراع قال: حدّثنا صدقة بن موسى، حدّثنا أبي، حدّثنا علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر بن محمد، عن أبيه محمد، عن أبيه علي، عن أبيه الحسن، عن علي قال: «خرجت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذات يوم، إذ مررنا بنخل صاحت نخلة أخرى: هذا النبي المصطفى وعلي المرتضى، ثم جزناها فصاحت ثانية بثالثة: موسى وأخوه هارون، ثم جزناها فصاحت رابعة بخامسة: هذا نوح وإبراهيم، ثم جزناها فصاحت سادسة بسابعة: هذا محمد سيد المرسلين وهذا علي سيد الوصيين. فتبسم ثم قال: يا علي إنما سمي نخل المدينة صيحانياً لأنه صاح بفضلي وفضلك».
أقول:
لقد أدرج ابن الجوزي هذا الخبر في (الموضوعات) ولم يتهم به إلا «أحمد ابن نصر الذراع»(6) هذا المحدث البغدادي المشهور، فلما راجعنا ترجمته عند الخطيب لم نجد فيه طعناً في الرجل نفسه عن أحد من رجال الحديث، بل وجدناه يقول: «في حديثه نكرة تدلّ على أنه ليس بثقة»(7).
وهذا ـ كما ترى ـ قدح عن اجتهاد، فإنه لما رآه يروي أمثال هذا الحديث، مما يدلّ على فضائل وخصائص لعلي عليه السلام، قال: «في حديثه نكرة» لكنها برأيه «تدل على أنه ليس بثقة» ومثل هذا الطعن لا يسمع عند المحققين.
ولعلّه لذا تعقب السيوطي كلام ابن الجوزي، فذكر الحديث بإسناد آخر عن أبي بكر، ولم يتكلّم عليه بشيء(8).
كما أن من رواة الحديث الثاني منهم:
الحافظ صدر الدين الحموئي، حيث روى بإسناده عن جابر بن عبد اللّه قال:
«قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: ما استعصى علي أهل مملكة قط إلا رميتهم بسهم اللّه تعالى.
قيل: يا رسول اللّه، وما سهم اللّه تعالى؟
قال: علي بن أبي طالب. ما بعثته في سرية قط إلا أني رأيت جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره وملكاً أمامه وسحابة تظلّه، حتى يعطي اللّه النصر والظفر»(9).
هذا، وقد نقل القوم عن الحسن البصري وصفه الإمام عليه السلام بـ«السهم» إذ أخبر بأنه ينسب إلى تنقص الإمام عليه السلام، فقال: «كان ـ واللّه ـ سهماً صائباً من مرامي اللّه عز وجل على عدوه، ورباني هذه الأمة، وذا فضلها وذا سابقتها وذا قرابتها من رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ لم يكن بالنؤمة عن أمر اللّه، ولا بالملومة في دين اللّه، ولا بالسروقة لمال اللّه، أعطى القرآن عزائمه ففاز منه برياض مونقة، ذاك علي بن أبي طالب، يا لكع».
رواه ابن عبد البر، والمحب الطبري عن الخلعي، وابن عبد ربه، وغيرهم(10).

(1) منهاج السنّة 4 / 483.
(2) ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: 92.
(3) فرائد السمطين 1 / 137.
(4) نظم درر السمطين: 124.
(5) وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى 1 / 72.
(6) الموضوعات 1 / 369.
(7) تاريخ بغداد 5 / 184.
(8) اللآلي المصنوعة 1 / 355.
(9) فرائد السمطين 1 / 222.
(10) الإستيعاب 3 / 1110، ذخائر العقبى: 79، مناقب علي لابن المغازلي: 73، العقد الفريد 2 / 194.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *