التنبيه على اختلاف النقل لكتابي يزيد

تنبيه:
كما أنكر بعضهم أمر يزيد بقتل الحسين عليه السلام… فقد حاول بعضهم أن لا يرووا الكتابين على وجههما محاولة للتغطية على واقع الأمر:
فبالنسبة إلى كتابه إلى والي المدينة يقول البلاذري: «فلما توفي معاوية رحمه اللّه للنصف من رجب سنة ستين، وولي يزيد بن معاوية الأمر بعده، كتب يزيد إلى عامله الوليد بن عتبة بن أبي سفيان في أخذ البيعة على الحسين وعبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن الزبير»(1). فما ذكر شيئاً من القتل وغيره.
وأبو الفداء يقول: «أرسل إلى عامله بالمدينة بإلزام الحسين وعبد اللّه بن الزبير وابن عمر بالبيعة»(2).
لكن الطبري وابن الجوزي يذكران العبارة: «خذ حسيناً و… بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتى يبايعوا».
ويقول ابن خلدون: «فكتب إلى الوليد بموت معاوية، وأن يأخذ حسيناً وابن عمر وابن الزبير بالبيعة من غير رخصة»(3).
لكن ابن سعد والمزي وابن الأثير لم يذكروا القتل ولا الأخذ الشديد… بل ذكروا الرفق والاستصلاح!! قالوا: «فكتب يزيد مع عبد اللّه بن عمرو بن أويس العامري ـ عامر بن لؤي ـ إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ـ وهو على المدينة ـ أن ادع الناس فبايعهم، وابدأ بوجوه قريش، وليكن أول من تبدأ به الحسين به علي، فإن أمير المؤمنين ـ رحمه اللّه ـ عهد إلي في أمره الرفق به واستصلاحه.
فبعث الوليد من ساعته نصف الليل إلى الحسين بن علي وعنده عبد اللّه بن الزبير فأخبرهما بوفاة معاوية، ودعاهما إلى البيعة ليزيد، فقالا: نصبح وننظر ما يصنع الناس»(4).
ولا يخفى الاضطراب في العبارة، فأي ارتباط بين «وليكن أول من تبدأ به الحسين بن علي» وبين «فإن أمير المؤمنين…»؟
ثم بعد ذلك كلّه.. لو كان المقصود هو الرفق به.. فلماذا عزله بعد أن رفق به؟
لقد أجمعت المصادر على أن الوليد لم يقبل من مروان نصيحته بأخذ البيعة ـ منه ومن الجماعة ـ في المجلس وإلاّ فالقتل، وقال: «سبحان اللّه، أقتل الحسين وابن الزبير!»(5). واللّه ما أحبّ أن لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وأن قتلت حسيناً إن قال لا أبايع، واللّه إني لأظن أن أمرءاً يحاسب بدم الحسين لخفيف الميزان عند اللّه يوم القيامة»(6)… فترك القوم قائلاً للحسين: «انصرف على اسم اللّه»(7) و«لم يشدد»(8).
فلما بلغ الخبر يزيد كتب بعزل الوليد، نصّ على ذلك غير واحد:
قال ابن خلدون: «لمّا بلغ الخبر إلى يزيد بصنيع الوليد بن عتبة في أمر هؤلاء النفر، عزله عن المدينة واستعمل عليها عمرو بن سعيد الأشدق»(9).
وقال ابن كثير: «عزل يزيد بن معاوية الوليد بن عتبة عن إمرة المدينة، لتفريطه»(10).
وأمّا بالنسبة إلى كتابه إلى عبيد اللّه بن زياد… فمنهم من لم يذكره أصلاً، ومنهم من نسبه إلى غير يزيد، ومنهم من أورده وذكر فيه القتل، ومنهم من أسقطه عنه وروى سائره.
هذا.. وقد جاء في غير واحد من كتب «أهل النقل» أن يزيد عزل عامله على الكوفة النعمان بن بشير، الذي تهاون في أمر مسلم بن عقيل نائب الإمام عليه السلام بالكوفة قائلاً: «أكون ضعيفاً في طاعة اللّه أحبّ إليّ من أن أكون قويّاً في معصية اللّه» فولّى ابن زياد وأمره بقتل مسلم(11).
وقال البلاذري: «ولما كتب ابن زياد إلى يزيد بقتل مسلم، وبعثه إليه برأسه ورأس هاني بن عروة ورأس ابن صلحب وما فعل بهم، كتب إليه يزيد: إنك لم تعد أن كنت كما أحب، عملت عمل الحازم وصلت صولة الشجاع، وحقّقت ظني بك. وقد بلغني أن حسيناً توجّه إلى العراق، فضع المناظر والمسالخ وأذك العيون واحترس كلّ الاحتراس، فاحبس على الظنّة وخذ بالتهمة، غير أن لا تقاتل إلاّ من قاتلك، واكتب إليّ في كلّ يوم بما يحدث من خبر إن شاء اللّه»(12).

(1) أنساب الأشراف 3 / 155.
(2) المختصر في تاريخ البشر 1 / 189.
(3) العبر في خبر من غبر 5 / 43.
(4) ترجمة الحسين بن علي من طبقات ابن سعد: 55، تهذيب الكمال 6 / 414.
(5) تاريخ الإسلام. حوادث 60 ص 170.
(6) الطبري 5 / 340، الكامل 4 / 15، ابن كثير 8 / 147.
(7) تاريخ ابن كثير 8 / 147.
(8) سير أعلام النبلاء 3 / 534.
(9) العبر 5 / 45.
(10) تاريخ ابن كثير 8 / 148.
(11) أنساب الأشراف 2 / 78، المنتظم 5 / 325، الطبري 5 / 357.
(12) أنساب الأشراف 2 / 85.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *