قول ابن تيميّة: “إن يزيد لم يأمر بقتل الحسين” و الردّ عليه بذكر كتابه إلى الوليد الوالي على المدينة و واليه على الكوفة في رواية غير واحد من الح

قال ابن تيمية: «إن يزيد لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل، ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق. والحسين رضي اللّه عنه كان يظن أن أهل العراق ينصرونه.. فقاتلوه حتى قتل شهيداً مظلوماً، رضي اللّه عنه. ولما بلغ ذلك يزيد أظهر التوجع على ذلك، وظهر البكاء في داره، ولم يسب له حريماً أصلاً، بل أكرم أهل بيته وأجازهم حتى ردهم إلى بلدهم… .
وقد اتفق الناس على أن معاوية رضي اللّه عنه وصّى يزيد برعاية حق الحسين وتعظيم قدره.. وإذا قيل: إن معاوية رضي اللّه عنه استخلف يزيد وبسبب ولايته فعل هذا. قيل: استخلافه إن كان جائزاً لم يضره ما فعل، وإن لم يكن جائزاً فذلك ذنب مستقل ولو لم يقتل الحسين…»(1).
أقول:
قد تواترت أخبار الفريقين بأن النبي وأهل البيت وزوجات الرسول… كانوا على علم باستشهاد الإمام أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام في أرض الطف بالعراق، وحتى بعض الأباعد كان قد بلغه الخبر، فقد أخرج ابن سعد بإسناده عن العربان بن الهيثم: «كان أبي يتبدّى، فينزل قريباً من الموضع الذي كان فيه معركة الحسين، فكنا لا نبدوا إلا وجدنا رجلاً من بني أسد هناك.
فقال له أبي: أراك ملازماً هذا المكان؟
قال: بلغني أن حسيناً يقتل هاهنا، فأنا أخرج لعلّي أصادفه فأقتل معه.
فلما قتل الحسين قال أبي: إنطلقوا ننظر هل الأسدي فيمن قتل؟
وأتينا المعركة فطوفنا، فإذا الأسدي مقتول»(2).
بل في بعض الأخبار أن النبي صلّى اللّه عليه وآله أعلن عن ذلك وأمر المسلمين بقوله: «فمن أدركه منكم فلينصره»(3).
وقال الحسين عليه السلام لابن عباس ـ لما نهاه عن التوجّه إلى العراق: «أبا العباس، إنك شيخ قد كبرت.. لأنْ أقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إليّ أن تستحلّ بي ـ يعني مكة ـ . فبكى ابن عباس…»(4).
وقال: «واللّه لأن أقتل خارجاً منها بشبر أحبّ إليّ من أن أقتل داخلاً منها بشبر، وأيم اللّه لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا فيّ حاجتهم، واللّه ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود في السبت»(5).
هذا، ومن ضروريات تاريخ الإسلام أن قتله كان بأمر من يزيد بن معاوية، ودعوى «اتفاق أهل النقل» على نفي ذلك كاذبة، وهذا طرف من أخبار «أهل النقل» وأقوالهم في ذلك:
قال اليعقوبي المتوفى سنة 292: «وملك يزيد بن معاوية.. وكان غائباً، فلمّا قدم دمشق كتب إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ـ وهو عامل المدينة ـ : إذا أتاك كتابي هذا، فأحضر الحسين بن علي وعبد اللّه بن الزبير، فخذهما بالبيعة لي، فإن امتنعا فاضرب أعناقهما وابعث إليّ برؤوسهما، وخذ الناس بالبيعة، فمن امتنع فأنفذ فيه الحكم وفي الحسين بن علي وعبد اللّه بن الزبير. والسلام»(6).
وقال اليعقوبي: «وأقبل الحسين من مكة يريد العراق، وكان يزيد قد ولّى عبيد اللّه بن زياد العراق وكتب إليه: قد بلغني أن أهل الكوفة قد كتبوا إلى الحسين في القدوم عليهم، وأنه قد خرج من مكة متوجهاً نحوهم، وقد بلي به بلدك من بين البلدان، وأيامك من بين الأيام، فإن قتلته وإلا رجعت إلى نسبك وإلى أبيك عبيد، فاحذر أن يفوتك»(7).
وقال ابن الأعثم المتوفى حدود سنة 341: «ذكر الكتاب إلى أهل البيعة بأخذ البيعة: من عبد اللّه يزيد بن معاوية أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة: أما بعد، فإن معاوية كان عبداً للّه من عباده، أكرمه اللّه واستخلفه وخوّله ومكّن له، ثم قبضه إلى روحه وريحانه ورحمته وغفرانه.. وقد كان عهد إليّ عهداً وجعلني له خليفة من بعده، وأوصاني أن آخذ آل أبي تراب بآل أبي سفيان، لأنهم أنصار الحق وطلاب العدل… .
ثم كتب إليه في صحيفة صغيرة كأنها أذن فارة: أما بعد: فخذ الحسين بن علي وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد اللّه بن الزبير وعبد اللّه بن عمر بن الخطاب أخذاً عنيفاً ليست فيه رخصة، فمن أبى عليك منهم فاضرب عنقه وابعث إليّ رأسه»(8).
وقال الطبري المتوفى سنة 310: «ولم يكن ليزيد همّة حين ولي الأمر إلا بيعة النفر الذين أبوا على معاوية الإجابة إلى بيعة يزيد، حين دعا الناس إلى بيعته وأنه وليّ عهده بعده، والفراغ من أمرهم، فكتب إلى الوليد:
بسم اللّه الرحمن الرحيم: من يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة، أما بعد، فإن معاوية كان عبداً من عباد اللّه، أكرمه اللّه واستخلفه وخوّله ومكّن له، فعاش بقدر ومات بأجل، فرحمه اللّه، فقد عاش محموداً ومات برّاً تقياً. والسلام.
وكتب إليه في صحيفة كأنها أذن فارة: أما بعد، فخذ حسيناً وعبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتى يبايعوا. والسلام»(9).
وقال الخوارزمي المتوفى سنة 568: «كتب إليه: بسم اللّه الرحمن الرحيم، من عبد اللّه يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة. أما بعد، فإن معاوية كان عبداً للّه أكرمه واستخلفه ومكّن له.. وأوصاني أن أحذر آل أبي تراب وجرأتهم على سفك الدماء، وقد علمت ـ يا وليد ـ أن اللّه تعالى منتقم للمظلوم عثمان بن عفان من آل أبي تراب بآل أبي سفيان، لأنهم أنصار الحق وطلاّب العدل… .
ثم كتب صحيفة صغيرة كأنها أذن فارة: أما بعد، فخذ الحسين وعبد اللّه بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد اللّه بن الزبير بالبيعة أخذاً عنيفاً ليست فيه رخصة، فمن أبى عليك منهم فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه. والسلام»(10).
وقال ابن الجوزي المتوفى سنة 597: «فلما مات معاوية كان يزيد غائباً فقدم فبويع له، فكتب إلى الوليد بن عقبة ـ وإليه على العراق ـ خذ حسينا وعبد اللّه بن الزبير وعبد اللّه بن عمر بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتى يبايعوا»(11).
وقال الذهبي المتوفى سنة 748: «خرج الحسين، فكتب يزيد إلى ابن زياد نائبه: إن حسيناً صائر إلى الكوفة، وقد ابتلي به زمانك من بين الأزمان، وبلدك من بين البلدان، وأنت من بين العمال، وعندها تعتق أو تعود عبداً. فقتله ابن زياد، وبعث برأسه إليه»(12).
وقال السيوطي المتوفى سنة 911: «وبعث أهل العراق إلى الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم، فخرج من مكة إلى العراق في عشرة ذي الحجة، ومعه طائفة من آل بيته رجالاً ونساء وصبياناً. فكتب يزيد إلى واليه بالعراق عبيد اللّه بن زياد بقتاله، فوجه إليه جيشاً أربعة آلاف، عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص…»(13).
هذا، وسيأتي كلام الآلوسي في أن يزيد هو قاتل الحسين عليه السلام وأنه يلعن بلا كلام.

(1) منهاج السنّة 4 / 473.
(2) طبقات ابن سعد ترجمة الحسين بن علي: 50، تاريخ دمشق 14 / 216 ـ 217.
(3) تاريخ دمشق: 14 / 224، أسد الغابة 1 / 146.
(4) طبقات ابن سعد ـ ترجمة الحسين: 61.
(5) تاريخ الطبري 5 / 385.
(6) تاريخ اليعقوبي 2 / 241.
(7) تاريخ اليعقوبي 2 / 241.
(8) تاريخ ابن الأعثم المجلد 3 / 9.
(9) تاريخ الطبري 5 / 338.
(10) مقتل الحسين 1 / 180.
(11) الرد على المتعصب العنيد: 34.
(12) سير أعلام النبلاء 3 / 305.
(13) تاريخ الخلفاء: 207.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *