قوله صلى الله عليه وآله: “إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه” أخرجه ابن حبان و صحّحه الذهبي. و لا عبرة بكلام ابن الجوزي فيه

وإنما تكلّم في الحديث المذكور فقال: «هذا الحديث ليس في شيء من كتب الإسلام التي يرجع إليها في علم النقل، وهو عند أهل المعرفة بالحديث كذب موضوع مختلق على النبي، وهذا الرافضي الراوي له لم يذكر له إسناداً حتى ينظر فيه، وقد ذكره أبو الفرج ابن الجوزي في الموضوعات»(1).
أقول:
أوّلاً: هذا الحديث موجود في غير واحد «من كتب الإسلام التي يرجع إليها في علم النقل» فهو في: (تاريخ بغداد) و(تاريخ الطبري) و(مسند الحسن بن سفيان) و(صحيح ابن حبان) و(كنوز الحقائق من كلام خير الخلائق للمناوي).
وثانياً: إنه ليس «عند أهل المعرفة بالحديث كذباً موضوعاً مختلقاً على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم» فقد صححه الذهبي ـ وهو عندهم إمام أهل المعرفة في الحديث ـ في كتابه (ميزان الاعتدال في نقد الرجال)(2).
وثالثاً: إنا نذكر له إسناداً واحداً ـ فللحديث طرق متعددة ـ لينظر فيه كما قال، وهو الإسناد الذي صححه الذهبي، وهو ما أخرجه ابن حبان عن طريق عباد بن يعقوب عن شريك عن عاصم عن زر عن عبد اللّه بن مسعود:
أمّا (عباد بن يعقوب) فمن رجال البخاري والترمذي وابن ماجة، ومن مشايخ أبي حاتم، والبزار، والحكيم الترمذي، وصالح جزرة، وابن خزيمة، وابن صاعد، وابن أبي داود، والقاسم المطرز، وغيرهم(3).
وأمّا (شريك النخعي الكوفي) فمن رجال مسلم والبخاري في التعاليق وأصحاب السنن الأربعة(4).
وأمّا (عاصم بن بهدلة الأسدي) فمن رجال الصحاح الستة(5).
وأمّا (زر بن جيش) فمن رجالها كذلك(6).
وأمّا (عبد اللّه بن مسعود) فمن أعاظم الأصحاب عند المسلمين.
ورابعاً: ذكر أبي الفرج ابن الجوزي إيّاه في (الموضوعات) لا يقتضي سقوط الحديث.
أما أوّلاً: فلتصحيح الذهبي إياه ـ كما عرفت ـ وهو عندهم أتقن وأدق من ابن الجوزي.
وأمّا ثانياً: فلأن ابن الجوزي متساهل في كتابه (الموضوعات)، وهذا ما نص عليه المحققون، قال النووي: «وقد أكثر جامع الموضوعات في نحو مجلدين، أعني أبا الفرج ابن الجوزي، فذكر كثيراً ممّا لا دليل على وضعه، بل هو ضعيف».
وقال السيوطي بشرحه: «قال الذهبي: ربما ذكر ابن الجوزي في الموضوعات أحاديث حساناً قوية»(7).
وأمّا ثالثاً: فلأن ابن الجوزي إنّما أورد الحديث من جهة قدحه في (عباد بن يعقوب الرواجني) وإذا عرفنا بطلان قدحه ـ لكون الرجل ثقة يعتمد عليه أرباب الصحاح وكبار الأئمة ـ ظهر لنا بطلان إخراجه له في (الموضوعات).
ولعلّ هذا من جملة شواهد من حكم من الأئمة كالنووي وابن حجر والسيوطي وغيرهم، على أن الرجل متساهل في الكتاب المذكور.
ثم إن القوم المدافعين عن الظالمين والمحامين للمبطلين، قد حرّفوا لفظ هذا الحديث بجعل (معاوية) غير ابن أبي سفيان، أو جعل «فاقتلوه» لفظ «فاقبلوه». ولكن لفرط وضوح هذا التحريف والكذب الشنيع على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، اضطرّ ابن الجوزي إلى التصريح بأن ذلك محرّف مكذوب(8)!!

(1) منهاج السنّة 4 / 380.
(2) ميزان الاعتدال 2 / 380.
(3) تهذيب التهذيب 5 / 95.
(4) تقريب التهذيب 1 / 351.
(5) تقريب التهذيب 1 / 383.
(6) تقريب التهذيب 1 / 259.
(7) تدريب الراوي ـ شرح تقريب النواوي 1 / 235 ـ 236.
(8) الموضوعات 2 / 26.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *