حكم أبي بكر و عمر في بغلة النبي و سيفه و عمامته برواية أحمد و أبي يعلى الفرّاء و ابن كثير و غيرهم

حكم أبي بكر وعمر في بغلة النبي وسيفه وعمامته
فقد أخرج أحمد في مسنده ما هو صريح في أن النبي صلّى اللّه عليه وآله ترك أشياء عند علي أمير المؤمنين عليه السلام.
قال أحمد: «حدّثني يحيى بن حماد، ثنا أبو عوانة، عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء، عن عمير مولى العباس، عن ابن عباس قال: لمّا قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله واستخلف أبو بكر، خاصم العباس عليّاً في أشياء تركها صلّى اللّه عليه وآله، فقال أبو بكر رضي اللّه عنه: شيء تركه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فلم يحرّكه فلا أحرّكه، فلمّا استخلف عمر اختصما إليه، فقال: شيء لم يحرّكه أبو بكر فلست أحرّكه. قال: فلمّا استخلف عثمان رضي اللّه عنه اختصما إليه قال: فأسكت عثمان ونكس رأسه. قال ابن عباس: فخشيت أن يأخذه، فضربت بيدي بين كتفي العباس فقلت: يا أبت أقسمت عليك إلا سلّمته لعلي. قال: فسلّمه له»(1).
ففي هذا الحديث لم يصرّح بالأشياء التي تركها النبي عند أمير المؤمنين، إلا أنه قد صرّح في الروايات الأخرى وكلمات العلماء ببعض تلك المتروكات، فالقاضي عبد الجبار المعتزلي أرسل تركه صلّى اللّه عليه وآله (السيف والبغلة والعمامة وغير ذلك) إرسال المسلَّم، وذكر لذلك جواباً عن أبي علي الجبائي وأجاب السيد المرتضى عن الجواب(2).
وأورد ذلك ابن أبي الحديد في شرح النهج(3).
وقال القاضي الفقيه أبو يعلى ابن الفراء الحنبلي المتوفى سنة 458 ـ وهو الذي اعتمد عليه ابن تيمية في مواضع ـ في مبحث صدقات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: «فأمّا صدقات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فمحصورة، لأنه قبض عنها فتعيّنت، وهي ثمانية» فذكرها، ثم قال: «فأمّا ما سوى هذه الصّدقات الثمانية من أمواله…» فذكر أشياء إلى أن قال: «وأما دور أزواج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بالمدينة، فكان قد أعطى كلّ واحدة منهنّ الدار التي تسكنها ووصّى بذلك لهنّ، فإن كان ذلك منه عطيّة تمليك فهي خارجة من صدقاته، وإن كان عطيّة سكنى وإرفاق فهي من جملة صدقاته، وقد دخلت اليوم في مسجده ولا أحسب منها ما هو خارج عنه» قال: «وأمّا رحل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، فقد روى هشام الكلبي عن عوانة بن الحكم: أن أبا بكر دفع إلى علي آلة رسول اللّه ورايته وحذاءه، وقال: ما سوى ذلك صدقة. وروى الأسود عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: توفي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير، فإن كانت درعه المعروفة بالبتراء، فقد حكي أنها كانت على الحسين بن علي يوم قتل.. وأمّا البردة… وأمّا القضيب… وأمّا الخاتم… فهذا شرح ما قبض عنه رسول اللّه من صدقته وتركته. واللّه أعلم»(4).
وفي شرح النهج عن كتاب السقيفة لأبي بكر الجوهري أنه قال أبو بكر: «قد دفعت آلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ودابّته وحذاءه إلى علي عليه السلام…»(5).
وقد أذعن الفضل ابن روزبهان بالخبر فلم ينكره، إلا أنه حاول الإجابة عن الإشكال، فكان أقرب إلى الإنصاف من ابن تيمية المنكر لأصل الخبر.
وفي تاريخ ابن كثير: «باب آثار النبي صلّى اللّه عليه وآله التي كان يختصّ بها في حياته، من ثياب وسلاح ومراكب» فذكر «الخاتم» و«السيف» و«النعل» و«القدح» و«المكحلة» و«البردة» و«الأفراس» و«المراكب».
إلا أنه أجمل الكلام جدّاً، ولم يشأ أن يصرّح بما كان من أمرها من بعد وفاة النبي، مع أنه روى عن البيهقي: أن في الروايات أنه صلّى اللّه عليه وآله مات عن بغلته البيضاء، وعن سلاحه، وعن أرض، وعن ثيابه وبغلته وخاتمه. نعم، ذكر: أن بغلته وهي الشهباء، قد عمرت بعده حتى كانت عند علي بن أبي طالب في أيام خلافته..(6).

(1) مسند أحمد 1 / 13، وتقدم سابقاً أيضاً.
(2) المغني في الإمامة 20 ق 1 / 331، الشافي في الإمامة 4 / 82.
(3) شرح نهج البلاغة 16 / 261.
(4) الأحكام السلطانية: 199 ـ 203.
(5) شرح نهج البلاغة 16 / 214.
(6) البداية والنهاية 6 / 3 ـ 11.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *