قضية ابن أكثم مع الإمام عليه السلام

الشرح:
يحيى بن أكثم المروزي، قاضي القضاة، ترجموا له ووصفوه بالإمامة في الفقه والحديث، وذكروا أنه كان من أهل الشرب واللّواطة وغير ذلك من القبائح.
وأمّا في الحديث:
فعن يحيى بن معين: «كان يكذب».
وعن ابن راهويه: «ذاك الدجال».
وعن ابن الجنيد: «يسرق الحديث».
وعن أبي حاتم: «فيه نظر».
وذكروا أنه تولّى ديوان الصدقات على الأضرّاء ولم يعطهم شيئاً(1).
فهذا قاضي قضاتهم حسب تصريحاتهم!!
وأمّا القضية المذكورة، فهي من جملة قضاياه الثابتة التي لم ينقلها القوم ـ كما هي عادتهم ـ غير أن سبط ابن الجوزي أشار إليها وأسندها إلى الإمامية حيث قال:
«والإمامية تروي خبراً طويلاً فيه أن المأمون لما زوّجه كان عمر محمد الجواد سبع سنين وأشهر، وأنه هو الذي خطب خطبة النكاح، وأن العباسيين شغبوا على المأمون ورشوا القاضي يحيى بن أكثم حتى وضع مسائل ليخطّئ بها محمد الجواد ويمتحنه، وإن الجواد خرج عن الجميع، وهو حديث طويل ذكره المفيد في كتاب الإرشاد، واللّه أعلم»(2).
وهنا قال ابن تيمية: «وأمّا ما ذكره، فإنه من نمط ما قبله، فإن الرافضة ليس لهم عقل صريح ولا نقل صحيح، ولا يقيمون حقاً ولا يهدمون باطلاً، لا بحجّة وبيان ولا بيد وسنان، فإنه ليس فيما ذكره ما يثبت فضيلة محمد بن علي فضلاً عن ثبوت إمامته.
فإن هذه الحكاية التي حكاها عن يحيى بن أكثم من الأكاذيب التي لا يفرح بها إلا الجهّال، ويحيى بن أكثم كان أفقه وأعلم وأفضل من أن يطلب تعجيز شخص بأن يسأله عن محرم قتل صيداً، فإن صغار الفقهاء يعلمون حكم هذه المسألة، فليست من دقائق العلم ولا غرائبه، ولا مما يختصّ به المبرّزون في العلم، ثم مجرّد ما ذكره ليس إلا في تقسيم أحوال القاتل، ليس فيه بيان حكم هذه الأقسام، ومجرّد التقسيم لا يقتضي العلم بأحكام الأقسام»(3).
أقول: ما أكثر المطالب التي كذَّبها الرجل بصراحة وأثبتناها، والحمد للّه.
ودلالة هذه القضيّة على كونه عليه السلام أعلم وأفقه من قاضي قضاتهم، واضحة لا ينكرها إلا مكابر… والأعلميّة المطلقة تقتضي الإمامة المطلقة كما لا يخفى.
ثم إن العلاّمة رحمه اللّه قد اختصر الخبر، ولو راجع ابن تيمية (الإرشاد) للمفيد البغدادي أو غيره من الكتب، لوجد فيه بيان حكم الأقسام بطلب من المأمون، وأنه سأل بعد ذلك ـ بطلب منه كذلك ـ يحيى بن أكثم عن مسألة، فاعترف يحيى بجهله بها، وطلب من الإمام عليه السلام بيانها… ونحن نحيل القارئ إلى الكتاب المذكور لئلاّ يطول بنا المقام(4).

(1) راجع: الجرح والتعديل 9 / 129، سير أعلام النبلاء 12 / 5، ميزان الاعتدال 4 / 361 وغيرها.
(2) تذكرة الخواص: 359.
(3) منهاج السنّة 4 / 69.
(4) الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 2 / 281.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *