مدح ابن تيميّة للإمام الحسن دون الإمام الحسين، و دعواه أنّ النبي كان يحبّ أسامة كما كان يحبّ الحسن. و الردّ عليه بالتفصيل

الشرح:
قال ابن تيمية: «وأما قوله: وكان ولداه سبطا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله سيدا شباب أهل الجنة إمامين بنصّ النبي صلّى اللّه عليه وآله. فيقال: الذي ثبت بلا شك عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله في الصحيح أنه قال عن الحسن: إن ابني هذا سيد وإن اللّه سيصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين. وثبت عنه صلّى اللّه عليه وآله أنه كان يقعده وأسامة بن زيد على فخذه ويقول: اللهم إني أحبّهما وأحبّ من يحبّهما.
وهذا يدلّ على أن ما فعله الحسن من ترك القتال على الإمامة وقصد الإصلاح بين الناس، كان محبوباً عند اللّه ورسوله، ولم يكن ذلك مصيبة… ولم يكن الحسن أعجز عن القتال من الحسين… وأن الذي فعله الحسن هو الأحبّ إلى اللّه ورسوله ممّا فعله غيره، واللّه يرفع درجات المتّقين المؤمنين بعضهم على بعض، وكلّهم في الجنّة، رضي اللّه تعالى عنهم أجمعين.
وقد ثبت أنه صلّى اللّه عليه وآله أدخلهما مع أبويهما تحت الكساء وقال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
وأنه دعاهما إلى المباهلة، وفضائلهما كثيرة، وهما من أجلاّء سادات المؤمنين»(1).
أقول:
أوّلاً: لم يتعرّض لفضيلة كونهما سبطي هذه الأمة، فإن ذلك معدود من جلائل فضائلهما في الأحاديث الكثيرة الواردة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، كما في ذخائر العقبى(2) وغيره من كتب الحديث والفضائل.
وثانياً: لم يتعرّض لحديث «إن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» أصلاً، مع أنه من أثبت فضائلهما الكثيرة كما اعترف، فقد رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجة، والنسائي، والحاكم، وابن حجر، وابن الأثير، والخطيب، وأبو نعيم، والمتقي عن عدّة من كبار الحفاظ، بل في فيض القدير عن السيوطي أنه حديث متواتر(3).
وثالثاً: قوله: «ثبت عنه صلّى اللّه عليه وآله أنه كان يقعده وأسامة بن زيد على فخذه».
أقول: إن الحسن عليه السلام ولد سنة ثلاث من الهجرة على ما في الإستيعاب(4)، وأسامة ولد قبلها بعشر سنوات تقريباً، فلو كان الحسن حين كان يقعده النبي صلّى اللّه عليه وآله على فخذه ابن سنتين أو ثلاث، كان أسامة ابن ثلاث عشرة سنة، ومثله لا يقعد على الفخذ… .
بل الثابت أنه كان يجلس الحسنين على فخذيه ويقول ذلك.
بل إن أسامة من رواة الخبر ـ فيمن رواه من الصحابة ـ كما في الصواعق عن الترمذي(5) وفي كنز العمال، وفيض القدير عن الطبراني(6). فكأن الحديث الذي أورده الرجل محرّف، وإن كان كذلك في الكتب الموصوفة بالصحّة.
ويشهد بما ذكرنا وروده في مواضع بلفظ: «عن أسامة كان النبي صلّى اللّه عليه وآله يأخذني والحسن فيقول: اللهم إني أحبّهما فأحبّهما»، رواه جماعة منهم بترجمة أسامة أو الحسن.
وكأن راويه التفت إلى الإشكال فأبدل اللفظ إلى «يأخذني».
والذي يؤكد الإشكال ويوضح الحال: ما أخرجه الترمذي في باب مناقبهما عن أسامة قال: «طرقت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ذات ليلة لبعض الحاجة، فخرج النبي وهو مشتمل على شيء لا أدري ما هو. فلما فرغت من حاجتي قلت: ما هذا الذي أنت مشتمل عليه؟ فكشف عنه فإذا حسن وحسين على وركيه فقال: هذان ابناي وابنا ابنتي، اللّهم إنك تعلم أني أحبّهما فأحبّهما، اللّهم إنك تعلم أني أحبّهما فأحبهما وأحبّ من يحبهما»(7).
فكان أسامة ـ حينما كان الرسول يحتضن السبطين ـ بالغاً مبلغ الرجال، يطرق الرسول لبعض الحاجة.
فالسؤال هو: كيف خفي كلّ هذا على هذا المدّعي والمعترض المغرض؟!
ونحن لا ننكر أنه صلّى اللّه عليه وآله كان يحبّ أسامة، لكن الدعاء المذكور فضيلة تختص بالحسنين عليهما السلام، ولا ريب في أن دعاءه صلّى اللّه عليه وآله مستجاب، وما ذكره الرجل كذب.
ورابعاً: إن من الأحاديث المتّفق عليها قوله صلّى اللّه عليه وآله: «الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا»، وممن رواه من أهل السنة: الصفوري في نزهة المجالس، والصديق القنوجي في السراج الوهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج في باب المناقب، وفي الإتحاف بحب الأشراف: أنه صلّى اللّه عليه وآله قال لهما: «أنتما الإمامان ولأمّكما الشفاعة»(8).
وقد ذكر العلاّمة في الفصل الرابع من الكتاب أدلّة الإماميّة على إمامة باقي الأئمة عليهم السّلام، فذكر فيها أنه صلّى اللّه عليه وآله قال للحسين عليه السلام: «هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة».
وحينئذ، يكون ما فعله الإمام الحسن عليه السلام وما فعله الإمام الحسين عليه السلام مرضيّاً للّه ورسوله بلا فرق أصلاً، فكلاهما إمام معصوم قام بما كان واجباً عليه في زمان إمامته.

(1) منهاج السنّة 4 / 39 ـ 41.
(2) ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: 130.
(3) فيض القدير بشرح الجامع الصغير 3 / 550، مسند أحمد 3 / 3 و 62 و 64 و 82، 5 / 391 و 392، سنن الترمذي 5 / 321 و 326، سنن ابن ماجة 1 / 44، خصائص علي: 123، المستدرك 3 / 167 و 3 / 381، الإصابة: ترجمة الحسن بن علي عليهما السلام 2 / 63، أسد الغابة: ترجمة الحسن عليه السلام 2 / 11، تاريخ بغداد 1 / 150 و 2 / 181 و 4 / 429 و 6 / 369 و 9 / 230 و 231، 10 / 230 و 11 / 91 و 12 / 4، كنز العمال 7 / 26 و 11 / 573 و 12 / 96 و 102 و 112 و 113 و 115 و 119 و 120 و 121 و 122 و 13 / 640 و 661 و 665 و 666 و 677، حلية الأولياء 4 / 139.
(4) الإستيعاب في معرفة الأصحاب 1 / 384.
(5) الصواعق المحرقة: 82.
(6) كنز العمال 6 / 221، فيض القدير 3 / 415.
(7) صحيح الترمذي 5 / 322.
(8) الإتحاف بحب الأشراف: 129، نزهة المجالس 2 / 184، مناقب آل أبي طالب 3 / 163.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *