الوجه الثالث: جزم الإمامية بحصول النجاة، و غيرهم لا يجزمون بذلك و مقابلة ابن تيميّة هذا الوجه بالسبّ و الشتم

الوجه الثالث
قال قدس سره: الوجه الثالث: أن الإماميّة جازمون بحصول النجاة لهم ولأئمتهم قاطعون على ذلك، وبحصول ضدّها لغيرهم، وأهل السنّة لا يجزمون بذلك لا لهم ولا لغيرهم، فيكون اتِّباع أولئك أولى… .
جزم الإماميّة بحصول النجاة لهم
الشرح:
لم يأت ابن تيمية في الجواب عن هذا الوجه بشيء يذكر، فإنه وإن أطنب كعادته وذكر وجوهاً، لكنها ليست إلا تكراراً للسبّ والشتم والدعاوى العاطلة والمزاعم الباطلة، فلنورد كلامه بلفظه ملخّصاً.
قال: «والجواب على هذا من وجوه:
أحدها: أن يقال: إن كان اتّباع الذين تدّعي لهم الطّاعة المطلقة وأن ذلك يوجب النجاة واجباً، كان اتباع خلفاء بني أميّة ـ الذين كانوا يوجبون طاعة أئمتهم طاعة مطلقة ويقولون: إن ذلك يوجب النجاة ـ مصيبين على الحق، وكانوا في سبّهم عليّاً وغيره وقتالهم لمن قاتلوه من شيعة علي مصيبين، لأنهم كانوا يعتقدون أن طاعة الأئمة واجبة في كلّ شيء!!… بل أولئك أولى بالحجّة من الشيعة، لأنهم كانوا مطيعين أئمة أقامهم اللّه ونصبهم وأيّدهم وملَّكهم… ومعلوم أن اللّطف والمصلحة التي حصلت بهم أعظم من اللّطف والمصلحة التي حصلت بإمام معدوم أو عاجز! فإن الشيعة ليس لهم أئمة يباشرونهم بالخطاب، إلاّ شيوخهم الذين يأكلون أموالهم بالباطل، ويصدّونهم عن سبيل اللّه!!
الوجه الثاني: إن هذا المثل إنما يكون مطابقاً لو ثبت مقدّمتان، إحداهما: أن لنا إماماً معصوماً، والثانية أنه أمر بكذا وكذا، وكلتا المقدّمتين غير معلومة بل باطلة. دع المقدمة الأولى، بل الثانية، فإن الأئمة الذين يدّعي فيهم العصمة قد ماتوا منذ سنين كثيرة، والمنتظر له غائب أكثر من أربعمائة وخمسين سنة، وعند آخرين هو معدوم لم يوجد، والذين يطاعون شيوخ من شيوخ الرافضة… يأكلون أموالهم بالباطل ويصدّون عن سبيل اللّه، يأمرونهم بالغلوّ في ذلك الشيخ وفي خلفائه، وأن يتّخذوهم أرباباً… وإن قُدِّر أن طريق الشيعة صواب لما فيه من القطع والجزم بالنجاة، فطريق المشايخية صواب لما فيه من القطع بالنجاة، وحينئذ، فيكون طريق من يعتقد أن يزيد بن معاوية كان من الأنبياء الذين يشربون الخمر وأن الخمر حلال له لأنه شربها الأنبياء ـ ويزيد كان منهم ـ طريقاً صواباً، وإذا كان يزيد نبيّاً كان من خرج على نبي كافراً، فيلزم من ذلك كفر الحسين وغيره!!… .
الوجه الثالث:… لو كان كلّ من قال: إن طريقي آمن موصل يكون أولى بالتصديق ممّن توقف، لكان كلّ مفتر وجاهل يدّعي في المسائل المشتبهة أن قولي فيها هو الصواب وأنا قاطع بذلك، فيكون اتّباعي أولى… وكان ينبغي أن يكون أئمة الإسماعيليّة كالمعز والحاكم وأمثالهما أولى بالاتباع من أئمة الاثني عشرية; لأن أولئك يدّعون من علم الغيب وكشف باطن الشريعة وعلوّ الدرجة، أعظم مما تدّعيه الإثنا عشرية لأصحابهم…!!
الوجه الرابع: أن يقال: قوله: إنهم جازمون بحصول النجاة لهم دون أهل السنّة كذب; فإنه إن أراد بذلك أن كلّ واحد ممن اعتقد اعتقادهم يدخل الجنة، وإن ترك الواجبات وفعل المحرّمات، فليس هذا قول الإماميّة ولا يقوله عاقل، وإن كان حبّ علي حسنة لا يضرّ معها سيئة، فلا يضرّه ترك الصلوات ولا الفجور بالعلويّات، ولا نيل أغراضه بسفك دماء بني هاشم إذا كان يحبّ عليّاً. وإن أراد بذلك أنهم يعتقدون أن كلّ من اعتقد الاعتقاد الصحيح وأدّى الواجبات وترك المحرّمات، يدخل الجنة، فهذا اعتقاد أهل السنة…! ففي الجملة: لا يدّعون علماً صحيحاً إلاّ وأهل السنّة أحقّ به، وما ادّعوه من الجهل فهو نقص، وأهل السنّة أبعد عنه… .
الوجه الخامس: إن أهل السنّة يجزمون بحصول النجاة لأئمتهم أعظم من جزم الرّافضة; وذلك أن أئمتهم بعد النبي صلّى اللّه عليه وآله هم السّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار، وهم جازمون بحصول النجاة لهؤلاء، فإنهم يشهدون أن العشرة في الجنة، ويشهدون أن اللّه قال لأهل بدر: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، بل يقولون إنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة، كما ثبت ذلك في الصحيح عن النبي صلّى اللّه عليه وآله، فهؤلاء أكثر من ألف وأربعمائة إمام لأهل السنّة… .
الوجه السادس: أن يقال: أهل السنّة يشهدون بالنجاة مطلقاً وإما معيّناً، شهادة مستندة إلى علم. وأمّا الرافضة فإنهم إن شهدوا شهدوا بما لا يعلمون، أو شهدوا بالزور الذي يعلمون أنه كذب، فهم كما قال الشافعي رحمه اللّه: ما رأيت قوما أشهد بالزور من الرافضة…!!
فقول الرافضة: لن يدخل الجنة إلاّ من كان إماميّاً، كقول اليهود والنصارى: لن يدخل الجنة إلاّ من كان هوداً أو نصارى، تلك أمانيّهم، قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين… ومن المعلوم أن المنتظر الذي يدّعيه الرافضي لا يجب على أحد طاعته…»(1).
أقول:
فهذا غاية علم ابن تيميّة وتقواه!!
أمّا الإماميّة، فإنّهم جازمون بحصول النّجاة لهم ولأئمتهم، لأنّهم متمسّكون بما أمر النبيّ صلّى اللّه عليه وآله بالتمسّك به ووَعَد بنجاة من فعل ذلك، في الحديث المقطوع بصدوره منه. ولأنّهم راكبون السّفينة الّتي شبّهها بسفينة نوح في اليقين بنجاة من ركبها، في الحديث المقطوع بصدوره منه كذلك.
أمّا غير الإماميّة، فبمن تمسّكوا؟ وبأيّ عهد من رسول اللّه؟ وكيف يجزمون بالنجاة؟

(1) منهاج السنة 3 / 486 ـ 506.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *