في أنّ أمير المؤمنين طلب الأمر لنفسه بحقّ

طلب الإمام الأمر بحق
قال قدس سره: وبعضهم طلب الأمر لنفسه بحق، وتابعه الأقلّون الذين أعرضوا عن الدنيا وزينتها، ولم تأخذهم في اللّه تعالى لومة لائم، بل أخلصوا للّه تعالى واتبعوا ما اُمروا به من طاعة من يستحق التقديم.
الشرح:
قال ابن تيمية: «قولك: إنه طلب الأمر لنفسه بحق وبايعه الأقلّون كذب على علي رضي اللّه عنه، فإنه لم يطلب الأمر لنفسه في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، وإنما طلبه لما قتل عثمان وبويع، وحينئذ، فأكثر الناس كانوا معه، ولم يكن معه الأقلّون، وقد اتفق أهل السنّة والشيعة على أن عليّاً لم يدع إلى مبايعته في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان…».
أقول:
ليس المراد من (طلب الأمر لنفسه) أن يخرج إلى الناس ويدعوهم إلى بيعته، فإن هذا لم يكن منه، لا بعد أن توفى اللّه نبيه صلّى اللّه عليه وآله، ولا بعد أن قتل المسلمون عثمان بن عفان.
أمّا في اليوم الأوّل، فقد كان مشغولاً بالنبي صلّى اللّه عليه وآله، وما كان بالذي يتركه على الأرض ويخرج فيخاصم الناس على سلطانه كما فعل غيره، غير أن بني هاشم وجماعة من المهاجرين والأنصار كانوا في بيته ليبايعوه وهم لا يشكّون في أنه الخليفة والإمام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.
وأمّا في اليوم الثاني، فإن الناس هم الذين طلبوه لأن يبايعوه، فإن كان قبول البيعة منهم طلباً، فلماذا أنكرت نسبة الطلب إلى أبي بكر وأنت تدّعي أن الناس بايعوه؟ إنه ليس على الإمام الحق إلا الاستعداد لتولّي الأمر وقبول البيعة.
وهذا ما فعله أمير المؤمنين عليه السلام في اليومين، غير أنه في الثاني بايعه الأكثرون بل الكلّ، وفي الأوّل ـ والكلام حوله الآن ـ لم يبايعه إلا الأقلّون الذين بقوا معه في الدار، معرضين عن الدنيا وأهلها… .
وأيّ شيء أبلغ في الدّلالة على الطلب، من قبول البيعة ممن بايع والإباء عن البيعة للغير؟ نعم، لقد طلب الأمر لنفسه، وتحقق له، ببيعة أولئك الأقلّين وقبول بيعتهم، وإلاّ لخرج وبايع أبا بكر. هب أنه كان معذورا بانشغاله بأمر النبي صلّى اللّه عليه وآله ثم بجمع القرآن في الأيام الأولى، فلا أقل من أن يأمر أهله وذويه بالمبادرة إلى البيعة! وهلاّ بايع بعد الفراغ ممّا كان يشغله؟ وهلاّ أمر حليلته بضعة الرسول عليهما السلام ـ وهو يراها موشكة على اللّحوق بأبيها ـ وهو يعلم بأن: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية»؟
كلاّ، لم يفعل شيئاً من ذلك، فلا هو بايع، ولا هي، ولا أحد من بني هاشم والذين كانوا معهم من غيرهم، مدّة حياة الصدّيقة الطاهرة بعد النبي، وهي ستة أشهر، في رواية القوم(1).
إلى غير ذلك من الشواهد العقليّة والنقليّة على صدق كلام العلاّمة طاب ثراه، وأن القول بأن أمير المؤمنين عليه السلام لم يطلب الأمر لنفسه كذب عليه.
قال قدّس سرّه: وحيث حصلت للمسلمين هذه البليّة، وجب على كلّ واحد النظر في الحق واعتماد الإنصاف… .
الشرح:
لا يخفى أن موضوع الكتاب (إثبات الإمامة)، وإنما تعرّض لمسائل التوحيد والعدل والنبوة مقدّمة للغرض الذي لأجله وضع الكتاب، فلكون هذه المسائل مقدّمة، وفي كلامه إشارة لمجمل الدليل في كلّ مسألة منها، لم نر ضرورة للشرح والبسط إلا لما يتعلّق بصلب الموضوع.

(1) صحيح البخاري 5 / 82 ، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر. صحيح مسلم 5 / 154، كتاب الجهاد، باب قول النبي: لا نورث… .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *