الكثرة لا تستلزم الصواب

الكثرة لا تستلزم الصواب
قال قدس سره: وبعضهم اشتبه الأمر عليه، ورأى طالب الدنيا مبايعاً له، فقلّده وبايعه وقصَّر في نظره فخفي عليه الحق، واستحقّ المؤاخذة من اللّه تعالى بإعطاء الحقّ لغير مستحقّه بسبب إهمال النظر. وبعضهم قلّد لقصور فطنته، ورأى الجمَّ الغفير فبايعهم… .
الشرح:
اعترض عليه ابن تيمية أوّلاً: «اللّه تعالى قد حرَّم القول بغير علم، فكيف إذا كان المعروف ضدّ ما قاله، فلو لم نكن نحن عالمين بأحوال الصحابة لم يجز أن نشهد عليهم بما لا نعلم من فساد القصد والجهل بالمستحق… فكيف إذا كنا نعلم أنهم كانوا أكمل هذه الأمة عقلاً وعلماً وديناً»(1).
وثانياً: بأنه «هب أن الذين بايعوا أبا بكر كانوا كما ذكرت إمّا طالب دنيا وإمّا جاهل، فقد جاء بعد أولئك في قرون الأمة من يعرف كلّ أحد زكاءهم وذكاءهم مثل… وهم كلّهم متفقون على تفضيل أبي بكر وعمر…»(2).
أقول:
ويردّ الأوّل: بأن الذي قاله العلاّمة ليس من القول بغير علم ولا من الشهادة بما لا يعلم… بل هو العلم بأحوالهم عن طريق أفعالهم وأقوالهم، فهو علم مستند إلى الحس. أما علم المعترض المدّعي حصوله له، فهو مستند إلى أخبار يروونها واجتهادات لهم في الآيات يرونها… ألا ترى قوله: «فإنهم خير هذه الأمة كما تواترت بذلك الأحاديث عن النبي صلّى اللّه عليه وآله حيث قال: خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. وهم أفضل الأمة الوسط الشهداء على الناس… لهم كمال العلم وكمال القصد. إذ لو لم يكن كذلك للزم أن لا تكون هذه الأمة خير الأمم. وأن لا يكونوا خير الأمة، وكلاهما خلاف الكتاب والسنة». لكن الحديث المزعوم تواتره غير وارد من طرقنا، والآية إنما تدلّ على كون هذه الأمة خير الأمم ما دامت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر… .
وبالجملة، فقول العلاّمة علم مستند إلى الحسّ، ولا ريب في تقدم الحسّ على الحدس، بعد تسليم مستنده سنداً ودلالة.
ويردّ الثاني:
أوّلاً: بأن في الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ممّن يرى تفضيل أمير المؤمنين عليهما مثل ذلك بل أكثر. وثانياً: هب أن الذين قالوا بتفضيلهما كانوا كما ذكرت، فهل الكثرة تستلزم الصواب، واللّه سبحانه وتعالى يقول: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ)(3)؟

(1) منهاج السنة 2 / 76.
(2) المصدر 2 / 82 .
(3) سورة المؤمنون: 70.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *