المنهج الثالث: في الأدلّة المستندة إلى السنّة المنقولة عن النبي وهي اثنا عشر

المنهج الثالث
في الأدلّة المستندة إلى السنّة المنقولة عن النبي وهي اثنا عشر:
الأول
ما نقله الناس كافة أنه لما نزل قوله تعالى: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ). جمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بني عبد المطلب في دار أبي طالب وهم أربعون رجلاً، وأمر أن يصنع لهم فخْذَ شاة مع مُدّ من البُرّ، ويُعِدَّ لهم صاعاً من اللّبن، وكان الرجل منهم يأكل الجَذْعَة في مقعد واحد ويشرب الفَرْق من الشراب في ذلك المقام، فأكلت الجماعة كلّها من ذلك اليسير حتى شبعوا ولم يتبين ما أكلوا، فبهرهم بذلك وتبيّن لهم آية نبوّته. ثم قال: «يا بني عبد المطلب إن اللّه بعثني بالحق إلى الخلق كافة، وبعثني إليكم خاصة فقال: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)، وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللّسان ثقيلتين في الميزان، تملكون بهما العرب والعجم، وتنقاد لكم بهما الأمم، وتدخلون بهما الجنة وتنجون بهما من النار: شهادة أن لا إله إلا اللّه وأني رسول اللّه، فمن يجبني إلى هذا الأمر ويؤازرني على القيام به، يكن أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي»؟ فلم يجب أحد منهم. فقال أمير المؤمنين: أنا يا رسول اللّه أؤازرك على هذا الأمر فقال: «إجلس»، ثم أعاد القول على القوم ثانية فأصمتوا وقمت فقلت مثل مقالتي الأولى، فقال: «إجلس»، ثم أعاد على القوم مقالته ثالثةً فلم ينطق أحد منهم بحرف، فقمت فقلت: أنا أؤازرك يا رسول اللّه على هذا الأمر! فقال: «إجلس فأنت أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي»! فنهض القوم وهم يقولون لأبي طالب: ليُهْنِكَ اليوم أن دخلت في دين ابن أخيك، فقد جعل ابنك أميراً عليك.
الثاني
الخبر المتواتر عن النبي صلّى اللّه عليه وآله أنه لما نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)، خطب الناس في غدير خم وقال للجمع كلّه: «أيها الناس ألست أولى منكم بأنفسكم؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله»! فقال له عمر: بخ بخ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة!
والمراد بالمولى هنا الأولى بالتصرف، لتقدّم التقرير منه صلّى اللّه عليه وآله بقوله: ألستُ أولى منكم بأنفسكم؟
الثالث
قوله صلّى اللّه عليه وآله: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيَّ بعدي». أثبت له جميع منازل هارون من موسى صلّى اللّه عليه وآله، للإستثناء.
ومن جملة منازل هارون أنه كان خليفة لموسى ولو عاش بعده لكان خليفة أيضاً، وإلا لزم تطرّق النقص إليه، ولأنه خليفة مع وجوده وغيبته مدّة يسيرة، وبعد موته وطول الغيبة أولى بأن يكون خليفة.
الرابع
أنه صلّى اللّه عليه وآله استخلفه على المدينة مع قصر مدة الغيبة، فيجب أن يكون خليفته بعد موته، وليس غير علي عليه السلام خليفة له في حال حياته إجماعاً، لأنه لم يعزله عن المدينة فيكون خليفة له بعد موته فيها، وإذا كان خليفة في المدينة، كان خليفة في غيرها إجماعاً.
الخامس
ما رواه الجمهور بأجمعهم عن النبي صلّى اللّه عليه وآله أنه قال لأمير المؤمنين عليه السلام: «أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني».
وهو نصّ في الباب.
السادس
المؤاخاة: روى أنس قال: لما كان يوم المباهلة وآخى النبي صلّى اللّه عليه وآله بين المهاجرين والأنصار، وعلىٌّ واقف يراه ويعرف مكانه، ولم يؤاخ بينه وبين أحد، فانصرف علي باكيَ العين فافتقده النبي صلّى اللّه عليه وآله فقال: «ما فعل أبو الحسن»؟ قالوا: انصرف باكي العين، قال: «يا بلال إذهب فائت به»، فمضى إليه وقد دخل منزله باكي العين.
فقالت فاطمة: ما يبكيك لا أبكى اللّه عينيك؟ قال: آخى النبي صلّى اللّه عليه وآله بين المهاجرين والأنصار وأنا واقف يراني ويعرف مكاني ولم يؤاخ بيني وبين أحد!
قالت: لا يحزنك اللّه، لعلّه إنما ادّخرك لنفسه.
فقال بلال: يا علي أجبِ النبي صلّى اللّه عليه وآله.
فأتى النبي صلّى اللّه عليه وآله فقال: ما يبكيك يا أبا الحسن؟ فقال: آخيت بين المهاجرين والأنصار يا رسول اللّه وأنا واقف تراني وتعرف مكاني ولم تؤاخ بيني وبين أحد، قال: «إنما إدّخرتك لنفسي، ألا يسرّك أن تكون أخا نبيّك؟ قال: بلى يا رسول اللّه أنى لي بذلك.
فأخذ بيده، فأرقاه المنبر فقال: اللهم إن هذا مني وأنا منه، ألا إنه مني بمنزلة هارون من موسى، ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه»!
فانصرف علي قرير العين. فاتبعه عمر فقال: بخ بخ يا أبا الحسن، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن!
والمؤاخاة تدلّ على الأفضليّة، فيكون هو الإمام.
السابع
ما رواه الجمهور كافة أن النبي صلّى اللّه عليه وآله لما حاصر خيبر تسعاً وعشرين ليلة، وكانت الراية لأمير المؤمنين عليه السلام، فلحقه رمد أعجزه عن الحرب، وخرج مرحب يتعرض للحرب، فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أبا بكر فقال له: خذ الراية، فأخذها في جمع من المهاجرين فاجتهد ولم يغن شيئاً ورجع منهزماً. فلما كان من الغد تعرّض لها عمر فسار غير بعيد ثم رجع يجبِّن أصحابه!
فقال النبي صلّى اللّه عليه وآله: جيئوني بعلي عليه السلام. فقيل: إنه أرمد. فقال: أرونيه تُرُوني رجلاً يحبّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله ليس بفرار. فجاءوه بعلي، فتفل في يده ومسحها على عينيه ورأسه فبرئ، وأعطاه الراية ففتح اللّه على يده وقتل مرحباً!
ووصفه عليه السلام بهذا الوصف يدلّ على انتفائه عن غيره، وهو يدلّ على أفضليته، فيكون هو الإمام.
الثامن
خبر الطائر: روى الجمهور كافة أن النبي صلّى اللّه عليه وآله أُتِيَ بطائر فقال: «اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليّ يأكل معي من هذا الطائر». فجاء علي عليه السلام فدقّ الباب فقال أنس بن مالك: إن النبي صلّى اللّه عليه وآله على حاجة. فانصرف. ثم قال النبي صلّى اللّه عليه وآله كما قال أولاً، فدقّ علي عليه السلام الباب، فقال أنس: أوَلمْ أقل لك إن النبي صلّى اللّه عليه وآله على حاجة؟ فانصرف. فقال النبي صلّى اللّه عليه وآله كما قال في الأوليين، فجاء علي عليه السلام فدقّ الباب أشدّ من الأوليين، فسمعه النبي صلّى اللّه عليه وآله وقد قال له أنس إنه على حاجة، فأذن له بالدخول وقال: «يا علي، ما أبطأك عني»؟ قال: جئت فردّني أنس ثم جئت فردّني ثم جئت الثالثة فردّني! فقال صلّى اللّه عليه وآله: «يا أنس ما حملك على هذا»؟ فقال: رجوت أن يكون الدعاء لأحد من الأنصار! فقال: «يا أنس، أفي الأنصار خيرٌ من علي؟ أو في الأنصار أفضل من علي»؟
وإذا كان أحبّ الخلق إلى اللّه تعالى، وجب أن يكون هو الإمام.
التاسع
ما رواه الجمهور من أنه عليه السلام أمر أصحابه بأن يسلّموا على علي بإمرة المؤمنين، وقال: «إنه سيّد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغرّ المحجّلين»، وقال: «هذا وليُّ كلّ مؤمن بعدي»، وقال في حقه: «إن علياً مني وأنا منه، وهو ولي كلّ مؤمن ومؤمنة» فيكون عليٌّ بعده كذلك.
وهذه نصوص في الباب.
العاشر
ما رواه الجمهور من قول النبي صلّى اللّه عليه وآله: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض». وقال صلّى اللّه عليه وآله: «مَثَلُ أهل بيتي فيكم مثلُ سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق».
وهذا يدلّ على وجوب التمسك بقول أهل بيته عليهم السّلام وسيّدهم علي عليه السلام فيكون واجب الطاعة على الكلّ، فيكون هو الإمام دون غيره من الصحابة.
الحادي عشر
ما رواه الجمهور من وجوب محبّته وموالاته. روى أحمد بن حنبل في مسنده: أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أخذه بيده حسن وحسين وقال: «من أحبني وأحبّ هذين وأباهما وأمهما، كان معي في درجتي يوم القيامة».
وروى ابن خالويه عن حذيفة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: «من أحبّ أن يتمسك بقصبة الياقوت التي خلقها اللّه تعالى بيده ثم قال لها: كوني فكانت، فليتولّ علي بن أبي طالب من بعدي».
وعن أبي سعيد قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لعلي: «حبّك إيمان وبغضك نفاق وأوّل من يدخل الجنة محبّك، وأوّل من يدخل النار مبغضك، وقد جعلك أهلاً لذلك، فأنت مني وأنا منك ولا نبي بعدي».
وعن شقيق بن سلمة عن عبد اللّه قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وهو آخذ بيد علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يقول: «هو وليي وأنا وليه، عاديتُ من عادى وسالمتُ من سالم».
وروى أخطب خوارزم عن جابر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: «جاءني جبرئيل من عند اللّه عز وجلّ بورقة خضراء مكتوب فيها ببياض: إني افترضت محبّة علي بن أبي طالب عليه السلام على خلقي فبلّغهم ذلك عني».
والأخبار في ذلك لا تحصى كثرة من طرق المخالفين، وهذا يدلّ على أفضليّته واستحقاقه للإمامة.
الثاني عشر
روى أخطب خوارزم بإسناده إلى أبي ذر الغفاري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: «من ناصب علياً الخلافة بعدي فهو كافر»!
وعن أنس قال: كنت عند النبي صلّى اللّه عليه وآله، فرأى عليّاً عليه السلام مقبلاً فقال: «أنا وهذا حجّة على أمتي يوم القيامة».
وعن معاوية بن حيدة القشيري قال: سمعت النبي صلّى اللّه عليه وآله يقول لعلي: «يا علي لا يبالي من مات وهو يبغضك مات يهودياً أو نصرانيّاً».
قالت الإمامية: إذا رأينا المخالف لنا يورد مثل هذه الأحاديث، ونقلنا نحن أضعافها عن رجالنا الثقات، وجب علينا المصير إليها وحرم العدول عنها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *