وضع الأحاديث

في وضع الأحاديث

لقد وضعوا أحاديث في فضل معاوية ويزيد، وفي فضل صوم يوم عاشوراء، وهو يومٌ قتل فيه سـبط رسـول الله وريحانته وسـيّد شـباب أهل الجنّـة أبو عبـد الله الحسـين وأصحابـه!

اتّخاذ النواصب يوم عاشوراء عيداً
أخرج البخاري، عن ابن عبّـاس، قال: «قدم النبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هـذا يوم صالح، هذا يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوّهم فصامه موسى. قال: فأنا أحقّ بموسى منكم; فصامه وأمر بصيامه»(1).
وأخرج مسلم، عن ابن عبّـاس، أنّه قال لهم: «ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالوا: هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه وغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فنحن أحقّ وأَوْلى بموسى منكم; فصامه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمر بصيامه»(2).
وأخرج مسلم، عن أبي موسى، قال: «كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء، يتّخذونه عيداً، ويُلبسون نساءهم فيه حليّهم وشارتهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فصوموه أنتم»(3).
فقال ابن الجوزي: «قد تمذهب قوم من الجهّال بمذهب أهل السُـنّة، فقصدوا غيظ الرافضة، فوضعوا أحاديث في فضل عاشوراء، ونحن برآء من الفريقين…»(4).
وقال ابن تيميّة: «إنْ كلّ ما يفعل فيه ـ سوى الصوم ـ بدعة مكروهة، لم يستحبّها أحد من الأئمّة، مثل الاكتحال والخضاب وطبخ الحبوب وأكل لحم الأضحية والتوسيع في النفقة وغير ذلك، وأصل هذا من ابتداع قتلة الحسـين ونحوهم»(5).
وقال ابن كثير: «وقد عاكس الرافضةَ والشـيعةَ يوم عاشوراء النواصبُ من أهل الشام، فكانوا يوم عاشوراء يطبخون الحبوب ويغتسلون ويتطيّبون ويلبسون أفخر ثيابهم، ويتّخذون ذلك اليوم عيداً، يصنعون فيه أنواع الأطعمة، ويظهرون السرور والفرح»(6).
وقال العيني: « النوع السادس: ما ورد في صلاة ليلة عاشوراء ويوم عاشوراء، وفي فضل الكحل يوم عاشوراء، لا يصحّ، ومن ذلك حديث جويبر عن الضحاك عن ابن عبّـاس… وهو حديث موضوع ، وضعه قتلة الحسـين رضي الله تعالى عنه.
وقال الإمام أحمد: والاكتحال يوم عاشوراء لم يرو عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه أثرٌ، وهو بدعة»(7).
لكنّ بعض علماء القوم، كالسيوطي، يرتؤون صحّة هذه الأحاديث… مع أنّهم لا يُعدُّون في النواصب، فالذي نراه أنّ ذلك من أجل الدفاع عن كتابَي البخاري ومسلم الموسومين بالصحيحين، وعن سائر كـتبهم الراوية لمثل هذه الأحاديث، أخذاً بسُـنّة اليهود!!
هذا، ومن العجيب أنّهم لم يكتفوا بهذا حتّى وضعوا ذلك في الحيوانات، فقد روى الدميري عن «المعجم» لعبـد الغني بن قانع، عن أبي غليظ أُميّة بن خلف الجمحي، قال: «رآني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعلى يدي صرد، فقال صلّى الله عليه وسلّم: هذا أوّل طير صام. ويروى: إنّه أوّل طير صام يوم عاشوراء، وكذلك أخرجه الحافظ أبو موسى.
قال الدميري: والحديث مثل اسمه غليظ.
قال الحاكم: وهو من الأحاديث التي وضعها قتلة الحسـين رضي الله عنه…
وهو حديث باطل، ورواته مجهولون»(8).

حديثٌ في مدح يزيد ! !
كالحديث في مدح يزيد… ذكره غير واحد منهم، كابن تيميّة والذهبي، وهو حديث غزو القسطنطينيّة:
قال ابن تيميّة مدافعاً عن يزيد:
«وقد ثبت في صحيح البخاري، عن ابن عمر، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: أوّل جيش يغزو القسطنطينيّة مغفور لهم. وأوّل جيش غزاها كان أميرهم يزيد…»(9).

أقـول:
قد قال محقّق «منهاج السُـنّة»: «لم أجد الحديث بهذا اللفظ، ولكن وجدت عن عبادة بن الصامت الحديث في البخاري 4 / 42 ـ كتاب الجهاد والسير، باب ما قيل في قتال الروم ـ ونصّ الحديث: أوّل جيش من أُمّتي يغزون البحر قد أوجبوا. قالت أُمّ حرام: قلت يا رسول الله! أنا فيهم؟ قال: أنتِ فيهم. ثمّ قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: أوّل جيش من أُمّتي يغزون مدينـة قيصر مغفور لهم. فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: لا»(10).
ثمّ الكلام أوّلا: في وجود يزيد في ذلك الجيش، وكونه أميراً عليه.
وثانياً: في شمول الحديث ليزيد على فرض كونه فيه.
ففي حين يذكر الطبري وجود يزيد في الجيش المذكور، وكونه قائداً له(11)، يروي ابن الأثير: إنّ معاوية سيَّر جيشاً كثيفاً إلى بلاد الروم للغزاة، وجعل عليهم سفيان بن عوف، وأمر ابنه يزيد بالغزاة معهم، فتثـاقل واعتلّ، فأمسك عنه أبوه، فأصاب الناس في غزاتهم جوع ومرض شديد، فأنشأ يزيد يقول:
ما إن أُبالي بما لاقت جموعهم *** بالفرقدونة من حمّى ومن مومِ
إذا اتّكأت على الأنماط مرتفقاً *** بدير مرّان عندي أُمّ كلثومِ
وأُمّ كلثوم امرأته، وهي ابنـة عبـد الله بن عامر.
فبلغ معاوية شعره، فأقسم عليه ليلحقنّ بسفيان في أرض الروم، ليصيبه ما أصاب الناس، فسار ومعه جمع كثير أضافهم إليه أبوه، وكان في هذا الجيش ابن عبّـاس وابن عمر وابن الزبير وأبو أيّوب الأنصاري وغيرهم، وعبـد العزيز بن زرارة الكلابي…
ثمّ رجع يزيد والجيش إلى الشام، وقد توفّي أبو أيوب الأنصاري عنـد القسطنطينيّة، فدفن بالقرب من سورها»(12).
وعلى فرض وجوده فيه، فلا دلالة للحديث على كونه مغفوراً له:
قال المناوي(13) بشرحه ما نصّه: «لا يلزم منه كون يزيد بن معاوية مغفوراً له لكونه منهم; إذ الغفران مشروط بكون الإنسان من أهل المغفرة، ويزيد ليس كذلك، لخروجه بدليل خاصّ.
ويلزم من الجمود على العموم، أنّ من ارتدّ ممّن غزاها مغفور له.
وقد أطلق جمع محقّقون حلّ لعن يزيد به، حتّى قال التفتازاني:
الحقّ أنّ رضا يزيد بقتل الحسـين وإهانته أهل البيت، ممّا تواتر معناه وإنْ كان تفاصيله آحاداً، فنحن لا نتوقّف في شأنه، بل في إيمانه، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه.
قال الزين العراقي(14): وقوله: (بل في إيمانه)، أي: بل لا يُتوقّف في عدم إيمانه; بقرينة ما قبله وما بعده»(15).
هذا، ومن أعاجيب الأكاذيب ما جاء في «تاريخ دمشق» بترجمة الإمام عليه السلام، من أنّه «وفد على معاوية، وتوجّه غازياً إلى القسـطنطينية في الجيش الذي كان أميره يزيد بن معاوية»(16)!
بل إنّ مثل هذا الكلام الباطل، الذي أرسله ابن عساكر بلا سند، يصلح لأنْ يكون قرينةً أُخرى على كـذب أصل الدعوى.

(1) صحيح البخاري 3 / 96 ح 111، وانظر: شرح معاني الآثار 2 / 75، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ 4 / 286 ح 473، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ 2 / 156 ح 2834.
(2) صحيـح مسـلم 3 / 150، وانـظر: فتـح البـاري 4 / 306 ح 2004، شـرح السُـنّة ـ للبغوي ـ 4 / 194 ح 1782.
(3) صحيح مسلم 3 / 150.
(4) الموضوعات 2 / 199.
(5) منهاج السُـنّة 8 / 151.
(6) البداية والنهاية 8 / 162.
(7) عمدة القاري شرح صحيح البخاري 11 / 118 ذ ح 106.
(8) حياة الحيوان الكبرى ـ للدميري ـ 2 / 61 ـ 62 مادّة «صُرَدْ»، وانظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري 11 / 118 ذ ح 106.
(9) منهاج السُـنّة 4 / 571 ـ 572.
(10) منهاج السُـنّة 4 / 572، وانظر: صحيح البخاري 4 / 114 ح 135.
(11) تاريخ الطبري 3 / 206 حوادث سـنة 49 هـ.
(12) الكامل في التاريخ 3 / 314 و 315 حوادث سـنة 49 هـ.
(13) هو: محمّـد عبـد الرؤوف بن تاج العارفين الحدّادي المناوي القاهري الشافعي، يُعدّ من كبار علماء الجمهور في شـتّى العلوم والفنون، له مصنّفات كثيرة، منها: كـنوز الحقائق، الكواكب الدرّيّـة، فيض القدير شرح على الجامع الصغير.
وُلد سـنة 952 هـ، وتوفّي بالقاهرة سـنة 1031 هـ.
انـظـر: خـلاصـة الأثـر 2 / 412، البـدر الـطـالـع 1 / 249 رقـم 238، الأعـلام ـ للزركلي ـ 6 / 204، معجم المؤلّفين 3 / 410 رقم 14048.
(14) هو: الحافظ عبـد الرحيم بن الحسـين بن عبـد الرحمن، أبو الفضل زين الدين الشافعي العراقي.
كردي الأصل، انتقل صغيراً مع أبيه من العراق إلى مصر بعد مولده، سمع كثيراً في الشام ومصر والحجاز، فصار من كبار أئمّة الحديث في زمانه، وكان عالماً بالنحو واللغة والغريب والفقه وأُصوله، له مصنّفات عديدة، أشهرها «طرح التثريب».
وُلد سـنة 725 هـ، وتوفّي سـنة 806 هـ بالقاهرة ودُفن بها.
انظر: الضوء اللامع 4 / 171 رقم 452، البدر الطالع 1 / 246 رقم 236، شذرات الذهب 7 / 55، النجوم الزاهرة 12 / 284، غاية النهاية في طبقات القـرّاء 1 / 382 رقم 1630.
(15) فيض القدير شرح الجامع الصغير 3 / 109 ح 2811.
(16) تاريخ دمشق 14 / 111.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *