بين الإمام الحسـين عليه السلام و معاوية

بين الإمام الحسـين عليه السلام و معاوية

وهكذا… تمكّن معاوية من القضاء على كلّ من يحتمل أن يكون وجوده مزاحماً لولاية يزيد أو يكون معارضاً، وتمكّن من إكراه الناس على البيعة.
وقد نصّ العلماء ـ كالحافظ الذهبي ـ على أنّه قد أكره الناس على بيعـة يزيد(1).
هذا، ولقد كان معاوية يقول: «لولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي وعرفت قصدي»(2).
ثمّ قال ليزيد: «يا بني! إنّي قد كفيتك الرحلة والرجال، ووطّأت لك الأشـياء، وذلّلت لك الأعزّاء، وأخضعت لك أعناق العرب»(3).
وفي لفظ آخر: «يا بني! إنّي قد كفيتك الشدّ والترحال، ووطّأت لك الأُمور، وذلّلت لك الأعداء، وأخضعت لك رقاب العرب، وجمعت لك ما لم يجمعه أحد»(4).
وفي رواية ابن الأعثم: «إنّي من أجلك آثرت الدنيا على الآخرة، ودفعت حقّ عليّ بن أبي طالب، وحملت الوزر على ظهري»(5).
وفي رواية الذهبي: «روى الواقدي: حدّثنا ابن أبي سبرة، عن مروان ابن أبي سعيد بن المعلّى، قال: قال معاوية ليزيد ـ وهو يوصيه ـ : اتّق الله، فقد وطّأت لك الأمر، ووليت من ذلك ما وليت، فإنْ يك خيراً فأنا أسعد به، وإنْ كان غير ذلك شقيت به، فارفق بالناس، وإيّاك وجبه أهل الشرف والتكبّر عليهم…
وروى يحيى بن معين، عن عبّـاس بن الوليد النرسي ـ وهو من أقرانه ـ، عن رجل، أنّ معاوية قال ليزيد: إنّ أخوف ما أخاف شيئاً عملته في أمرك، وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلّم يوماً أظفاره وأخذ من شعره، فجمعت ذلك، فإذا متُّ فاحشُ به فمي وأنفي.
وروى عبـد الأعلى بن ميمون بن مهران، عن أبيه: إنّ معاوية قال في مرضه: كنت أُوضّئ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوماً، فنزع قميصه وكسانيه، فرقعته وخبّأت قلامة أظفاره في قارورة، فإذا متّ فاجعلوا القميص على جلدي، واسحقوا تلك القلامة واجعلوها في عيني، فعسى الله أن يرحمني ببركتها»(6).

أقـول:
وهذا الخبر ـ إن صحّ ـ دلّ على تبرّك الصحابة بآثار رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، واعتقادهم بنفعها في القيامة!!
إلاّ أن أساليبه المختلفة لم تنتج مع سيّدنا أبي عبـد الله عليه السلام وعبـد الله بن الزبير، وكلامنا الآن في ما دار بينه وبين الإمام الحسـين عليه الصلاة والسلام:

من الكتب بين الإمام الحسـين عليه السلام ومعاوية
وذكر ابن قتيبة ما كتب به معاوية إلى الإمام الحسـين عليه السلام:
«أمّا بعد، فقد انتهت إليَّ منك أُمور، لم أكن أظنّك بها رغبةً عنها، وإنّ أحقّ الناس بالوفاء لمن أعطى بيعة مَن كان مثلك، في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك الله بها، فلا تنازع إلى قطيعتك، واتّق الله ولا تردنّ هذه الأُمّة في فتنة، وانظر لنفسك ودينك وأُمّة محمّـد (وَلاَ يَسْتَخِفَّـنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِـنُونَ)(7)»(8).
قال: «وكتب إليه الحسـين رضي الله عنه: أمّا بعد، فقد جاءني كتابك تذكر فيه أنّـه انتهت إليك عنّي أُمور، لم تكن تظـنّني بها رغبة بي عنها…»(9).
فذكر الإمام عليه السلام جملةً من مساوئ معاوية ومخازيه وما ارتكبه من الظلم والقتل للأخيار، في كتاب طويل… جاء في آخره:
«واعلم، أنّ لله كتاباً لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلاّ أحصاها، واعلم، أنّ الله ليس بناس لك قتلك بالظنّة وأخذك بالتهمة، وإمارتك صبيّاً يشرب الشراب ويلعب بالكلاب، ما أراك إلاّ وقد أوبقت نفسك، وأهلكت دينك، وأضعت الرعيّـة»(10).

ومن كلام الإمام الحسـين عليه السلام عن يزيد بن معاوية
وكان ممّا قاله الإمام عليه السلام ـ في جواب معاوية عندما ذكر يزيد وجعل يمدحه ويعدّد له الفضائل ـ بعد حمد الله والصلاة على رسوله:
«وفهمت ما ذكرته عن يزيد، من اكتماله وسياسته لأُمّة محمّـد، تريد أنْ توهم الناس في يزيد، كأنّك تصف محجوباً أو تنعت غائباً أو تخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاصّ، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد في ما أخذ فيه، من استقرائه الكلاب الهارشة عند التهارش، والحمام السبق لأترابهنّ، والقيان ذوات المعازف، وضرب الملاهي، تجده باصراً.
ودع عنك ما تحاول، فما أغناك أنْ تلقى الله من وزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه، فوالله ما برحت تقدح باطلا في جور وحنقاً في ظلم، حتّى ملأت الأسقية، وما بينك وبين الموت إلاّ غمضة، فتقدم على عمل محفوظ في يوم مشهود، ولات حين مناص…»(11).

***

(1) تاريخ الإسلام ـ حوادث سنة 60 : 167.
(2) الفتوح ـ لابن أعثم ـ 4 / 249، نسـب قريـش: 127، سـير أعلام النبلاء 3 / 156 رقم 25.
(3) البداية والنهاية 8 / 93 حوادث سـنة 60 هـ.
(4) الكامل في التاريخ 3 / 368، وانظر: الفتوح ـ لابن أعثم ـ 4 / 354، نهاية الأرب 20 / 365.
(5) الفتوح 4 / 354.
(6) تاريخ الإسلام 2 / 323.
(7) سورة الروم 30: 60.
(8) الإمامة والسـياسة 1 / 201.
(9) الإمامة والسـياسة 1 / 202.
(10) الإمامة والسـياسة 1 / 203 ـ 204.
(11) الإمامة والسـياسة 1 / 208 ـ 209.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *