حصيلة البحث

حصيلة البحث
لقد استعرضنا أسانيد خبر تزويج أمير المؤمنين عليه السلام ابنته من عمر ابن الخطّاب . . . والأخبار الأُخرى المتعلِّقة بكريمة أهل البيت الأطهار الأطياب . . . فلم نجد فيها سنداً يجوز الاحتجاج به والركون إليه.
ثمّ حقّقنا نصوص الأخبار ومتونها، ودقّقنا النظر في كلمات القوم وأقوالهم . . . فوجدناها متضاربةً متكاذبةً . . . فكانت ناحية الدلالة دليلاً آخر على أنْ لا أصل للقضيّة.
وأغلب الظنّ . . . أنّ القوم لَمّا رأوا أن عمر بن الخطّاب من رواة حديث: «كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي» الدالّ على فضيلة ومنقبة لأهل البيت وعليّ عليه السلام خاصة، حتى أنّ الحاكم أورده في فضائل عليّ كما قال المناوي(1). عمدوا إلى وضع قصة خطبة عمر ابنة عليّ وربطوا الحديث المذكور بها . . ..
وممّا يشهد بما ذكرنا، أنّ غير واحد من كبار محدّثي القوم يروون عنه الحديث مجرّداً عن تلك القصّة، كما يروونه عن غيره:
قال المتّقي: «كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي. (طب، ك هق ـ عن عمر; طب ـ عن ابن عبّاس وعن المسور).
كلّ نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلاّ نسبي وصهري. (ابن عساكر ـ عن ابن عمر)»(2).
وقال ابن المغازلي: «قوله عليه السلام: كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة . . . الحديث.». ثم رواه بإسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس عن عمر. وبإسناده عن عمرو بن دينار عن سالم عن ابن عمر. وبإسناده عن سفيان الثوري عن أبي عبداللّه جعفر بن محمّد . . .»(3).
ونظير هذا حديث: «فاطمة بضعة مني . . .» الوارد عن غير واحد من الصحابة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في أكثر من موضع، فإنَّ بعضهم لَمّا رأى ما في هذا الحديث الثابت المخرَّج في الصحاح من دلالات في أبعاد مختلفة . . . عمد إلى وضع قصّة خطبة عليّ ابنة أبي جهل وربط الحديث بها . . .(4).
ثم إنّ هذه خِطبة . . . وتلك خطبة . . ..
لكنّ خطبة عمر كانت لابنة عليّ عليه السلام . . . وخطبة عليّ كانت لابنة أبي جهل!!
وخطبة عمر كانت مصاهرة لفاطمة الزهراء . . . وخطبة عليّ كانت إيذاءً لفاطمة الزهراء!!.
وخطبة عمر كانت لما سمعه من النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من قوله: كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي . . . وخطبة عليّ كانت مخالفة للنبي ومقاطعةً له . . . حتى طالبه بطلاق ابنته!!.
وعلى الجملة . . . فقد عرفت حال أخبار القصّة سنداً . . . فرواتها بين «مولى عمر» و«قاضي الزبير» و«قاتل عمّار» وعلماء «الدولة الأُموية» ورجال أسانيدها بين «كذّاب» و«وضّاع» و«ضعيف» و«مدلّس» . . ..
فهذا حال رواتها وأسانيدها . . . وأغلب الظنّ كون السبب في وضعها وحكايتها ما ذكرناه . . . لا سيّما . . . وبعض الرواة مشترك في القصّتين . . ..

فإنْ قيل:
وهل بعد ذلك كلّه من وجه احتمال توجّه به أخبار القصّة على فرض صحّتها سنداً، لا سيّما والقصة مشهورة بين العامّة، وبها روايات عن طريق الخاصّة وإنْ كانت شاذّة؟

قلت:
قد اشتملت الأخبار المذكورة على ما لا يجوز تصديقه بحال من الأحوال:
كالّذي رووه من إرسال الإمام عليه السلام إيّاها ببرد «لينظر إليها» وأنّه أمر بها «فزيّنت» أو «فصنعت» ونحو ذلك. والدليل على ذلك واضح.
وما زعموه من وفاتها على عهد معاوية . . . بدليل ثبوت وجودها في واقعة الطفّ ومواقفها المشهودة فيها.
وعليه، فالتي ماتت وولدها زيد معاً في يوم واحد . . . وصلّى عليهما فلان أو فلان . . . هي زوجة أُخرى من زوجات عمر، سواء كان اسمها أُمّ كلثوم ـ فقد كان غير واحدة من زوجاته اسمها أو كنيتها أُمّ كلثوم ـ أو لم يكن.
ويؤكّد هذا الاحتمال ـ على فرض صحّة الأسانيد ـ روايات أبي داود والنسائي وغيرهما . . ..
وعلى هذا، فلا مستند لما قالوا من أنّ أُمّ كلثوم بنت الإمام عليه السلام ولدت لعمر «زيداً» . . . إذ ليس إلاّ الأخبار المذكورة، وقد عرفت حالها . . ..
كما أنّه لا مستند لِما ذكروا من أنّها ولدت له بنتاً . . . مع اختلافهم فيها وفي اسمها . . ..
ويوكّد ذلك ما ذكره غير واحد من علماء الإسلام من أنّ عمر مات عنها صغيرة!
منهم: الشيخ أبو محمّد النوبختي من قدماء العلماء الإماميّة حيث قال في كتاب الإمامة له: «إنّ أُمّ كلثوم كانت صغيرةً، ومات عمر قبل أنْ يدخل بها»(5).
ومنهم: الشيخ أبو عبداللّه محمّد بن عبدالباقي الزرقاني المالكي ـ المتوفّى سنة 1122 ـ(6) . . . فإنّه قال في معنى قرابة النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم:
«(والمراد بالقرابة من ينتسب إلى جدّه الأقرب وهو عبدالمطّلب) لقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: من صنع إلى أحد من ولد عبدالمطّلب يداً فلم يكافئه بها في الدنيا، فعليَّ مكافأته غداً إذا لقيني. رواه الطبراني في الأوسط عن عثمان.
فخرج بذلك من انتسب إلى من فوق عبدالمطّلب، كأولاد عبدمناف، أو إلى من يساويه كأولاد هاشم إخوة عبدالمطّلب، أو انتسب له ولا صحبة له ولا رؤية. ولعلّه ليس بمراد (ممّن صحب النبي صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم منهم أو رآه من ذكر أو أُنثى. وهو عليّ وأولاده الحسن والحسين ومُحَسِّن) ـ بميم مضمومة فحاء مفتوحة فسين مكسورة مشددة مهملتين ـ (وأُمّ كلثوم زوج عمر بن الخطّاب، ومات عنها قبل بلوغها، فتزوّجها عون بن جعفر ثمّ مات، فتزوّجت بأخيه محمّد ثم مات، فتزوّجها أخوهما عبداللّه ثم ماتت عنده. ولم تلد لواحد من الثلاثة سوى لمحمّد ابنة ماتت صغيرةً. فلا عقب لأُمّ كلثوم، كما قدم المصنّف في المقصد الثاني»(7).
وقد يشهد به على فرض ثبوت أصل التزويج إصرار عمر على أنّ الغرض من خطبته أن يكون صهراً للنبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم . . . وقوله في بعض الألفاظ: «أُحبّ أن يكون عندي عضو من أعضاء رسول اللّه» وتأكيده في بعض آخر: «إنّي لم أُرد الباه» . . ..

(1) فيض القدير 5 / 27.
(2) كنز العمّال 11 / 184 كتاب الفضائل باب فضائل نبيّنا محمّد الأرقام 31911 و 31912.
(3) مناقب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: 133 ـ 134.
(4) لاحظ رسالتنا في هذا الموضوع.
(5) بحار الأنوار 42 / 91.
(6) توجد ترجمته في سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر 4 / 32.
(7) شرح المواهب اللدنيّة ـ مبحث قرابة النبي 7 / 9 ـ 10.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *