الأدفوي

الأدفوي
4 ـ أبو الفضل الأدفوي(1): «ثم أقول: إنّ الأُمّة تلقّت كلّ حديث صحيح وحسن بالقبول، وعملت به عند عدم المعارض، وحينئذ لا يختصّ بالصحيحين، وقد تلقّت الأُمّة الكتب الخمسة أو الستّة بالقبول وأطلق عليها جماعة اسم «الصحيح»، ورجّح بعضهم بعضها على كتاب مسلم وغيره.
قال أبو سليمان أحمد الخطّابي: كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف لم يصنّف في حكم الدين كتاب مثله، وقد رزق من الناس القبول كافّة، فصار حكماً بين فرق العلماء وطبقات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم، وكتاب السنن أحسن وضعاً وأكثر فقهاً من كتب البخاري ومسلم.
وقال الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي: سمعت الإمام أبا الفضل عبداللّه بن محمد الأنصاري بهراة يقول ـ وقد جرى بين يديه ذكر أبي عيسى الترمذي وكتابه فقال ـ : كتابه عندي أنفع من كتاب البخاري ومسلم.
وقال الإمام أبو القاسم سعيد بن علي الزنجاني: إنّ لأبي عبدالرحمن النسائي شرطاً في الرجال أشدّ من شرط البخاري ومسلم.
وقال أبو زرعة لمّا عرض عليه ابن ماجة السنن كتابه: أظنّ إن وقع هذا في أيدي الناس تعطّلت هذه الجوامع كلّها، أو قال: أكثرها.
ووراء هذا بحث آخر وهو: أنّ قول الشيخ أبي عمرو ابن الصلاح: إنّ الأُمّة تلقّت الكتابين بالقبول، إن أراد كلّ الأُمّة فلا يخفى فساد ذلك، إذ الكتابان إنّما صُنّفا في المائة الثالثة بعد عصر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، وأئمّة المذاهب المتبعة، ورؤس حفّاظ الأخبار ونقّاد الآثار المتكلّمين في الطرق والرجال، المميّزين بين الصحيح والسقيم.
وإن أراد بالأُمة الّذين وُجدوا بعد الكتابين فهم بعض الأُمّة، فلا يستقيم له دليله الذي قرّره من تلقّي الأُمّة وثبوت العصمة لهم، والظاهرية إنّما يعتنون بإجماع الصحابة خاصة، والشيعة لا تعتدّ بالكتابين وطعنت فيهما، وقد اختلف في اعتبار قولهم في الإجماع والإنعقاد.
ثم إن أراد كلّ حديث فيهما تُلقّي بالقبول من الناس كافّة فغير مستقيم، فقد تكلّم جماعة من الحفّاظ في أحاديث فيهما. فتكلّم الدارقطني في أحاديث وعلّلها، وتكلّم ابن حزم في أحاديث كحديث شريك في الإسراء، قال: إنّه خلط، ووقع في الصحيحين أحاديث متعارضة لا يمكن الجمع بينها، والقطع لا يقطع التعارض فيه.
وقد اتّفق البخاري ومسلم على إخراج حديث «محمد بن بشّار بندار» وأكثرا من الإحتجاج بحديثه، وتكلّم فيه غير واحد من الحفّاظ، أئمّة الجرح والتعديل، ونسب إلى الكذب، وحلف عمرو بن علي الفلاس شيخ البخاري أنّ بندار يكذب في حديثه عن يحيى، وتكلّم فيه أبو موسى، وقال علي بن المديني في الحديث الذي رواه في السجود: هذا كذب، وكان يحيى لا يعبأ به ويستضعفه، وكان القواريري لا يرضاه.
وأكثرا من حديث «عبدالرزّاق» والإحتجاج به، وتكلّم فيه ونسب إلى الكذب.
وأخرج مسلم «أسباط بن نصر»، وتكلّم فيه أبو زرعة وغيره.
وأخرج أيضاً عن «سماك بن حرب» وأكثر عنه، وتكلّم فيه غير واحد، وقال الإمام أحمد بن حنبل: هو مضطرب الحديث، وضعّفه أمير المؤمنين في الحديث شعبة، وسفيان الثوري; وقال يعقوب بن شعبة: لم يكن من المتثبّتين; وقال النسائي: في حديثه ضعف; قال شعبة: كان سماك يقول في التفسير عكرمة، ولو شئت لقلت له: ابن عبّاس، لقاله; وقال ابن المبارك: سماك ضعيف في الحديث; وضعّفه ابن حزم قال: وكان يُلقّن فيتلقّن.
وكان أبو زرعة يذمّ وضع كتاب مسلم ويقول: كيف تسمّيه الصحيح وفيه فلان وفلان؟ وذكر جماعة.
وأمثال ذلك يستغرق أوراقاً، فتلك الأحاديث عندهما ولم يتلقّوهما بالقبول.
وإنّ أراد غالب ما فيهما سالم من ذلك لم يبق له حجّة»(2).

(1) ترجمته في: الدرر الكامنة 2 : 72، النجوم الزاهرة 10 : 237، البدر الطالع 1 : 182، حسن المحاضرة 1 : 320، شذرات الذهب 6 : 153.
(2) الإمتاع في أحكام السماع، عنه في كتابنا الكبير: نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار 6 : 157.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *