طريق التأويل لها

طريق التأويل لها
قال الحافظ ابن حَجَر العسقلاني: «الطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل، بل الرواية صحيحة والتأويل محتمل»(1) وقال أيضاً في الآية: (أَ فَلَمْ يَيْأَسِ):
«وروى الطبري وعبد بن حميد ـ بإسناد صحيح كلّهم من رجال البخاري ـ عن ابن عبّاس: أنّه كان يقرؤها: أفلم يتبيّن: ويقول: كتبها الكاتب وهو ناعس. ومن طريق ابن جريج، قال: زعم ابن كثير وغيره أنّها القراءة الأُولى. وهذه القراءة جاءت عن علي وابن عبّاس وعكرمة وابن أبي مليكة وعلي بن بديمة وشهر بن حوشب وعلي بن الحسين وابنه زيد وحفيده جعفر بن محمد، في آخر من قرؤوا كلّهم: أفلم يتبيّن.
وأمّا ما أسنده الطبري عن ابن عبّاس، فقد اشتدّ إنكار جماعة ممّن لا علم له بالرجال صحّته، وبالغ الزمخشري في ذلك كعادته ـ إلى أن قال: ـ وهي واللّه فرية مافيها مرية، وتبعه جماعة بعده واللّه المستعان. وقد جاء عن ابن عبّاس نحو ذلك في قوله تعالى: (وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ) قال: (ووصّى) التزقت الواو في الصّاد. أخرجه سعيد بن منصور بإسناد جيّد عنه.
وهذه الأشياء ـ وإن كان غيرها المعتمد ـ لكن تكذيب المنقول بعد صحّته ليس من دأب أهل التحصيل، فلينظر في تأويله بما يليق به»(2).
أقول: وظاهر كلمات ابن حجر في الموردين، هو العجز عن الإتيان بتأويل، يساعده اللفظ ويرضاه «أهل التحصيل»…
نعم ذكر في قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ…)(3): «أخرج سعيد بن منصور والطبري والبيهقي في الشعب بسند صحيح: أنّ ابن عبّاس كان يقرأ: (حتى تستأذنوا) ويقول: أخطأ الكاتب، وكان يقرأ على قراءة أُبَيّ بن كعب، ومن طريق مغيرة بن مقسم، عن إبراهيم النخعي، قال: في مصحف ابن مسعود (حتى تستأذنوا). وأخرج سعيد بن منصور من طريق مغيرة، عن إبراهيم: في مصحف عبداللّه: (حتى تسلّموا على أهلها وتستأذنوا). وأخرجه إسماعيل بن إسحاق في أحكام القرآن عن ابن عبّاس واستشكله. وكذا طعن في صحّته جماعة ممّن بعده.
وأُجيب: بأنّ ابن عبّاس بناها على قراءته التي تلقّاها عن أُبَيّ بن كعب. وأمّا اتّفاق الناس على قراءتها بالسين، فلموافقة خطّ المصحف الذي وقع الاتّفاق على عدم الخروج عمّا يوافقه. وكان قراءة أُبَيّ من الأحرف التي تركت القراءة بها ـ كما تقدّم تقريره في فضائل القرآن ـ . وقال البيهقي: يحتمل أن يكون ذلك كان في القراءة الأولى ثمّ نسخت تلاوته. يعني: ولم يطّلع ابن عبّاس على ذلك»(4).

(1) فتح الباري، كتاب التفسير، سورة الناس 8 : 743، وعنه في الإتقان، النوع الثاني والثالث 1 : 270.
(2) المصدر، سورة الرعد 8 : 373.
(3) سورة النور: 27.
(4) فتح الباري: كتاب الاستيذان، باب بدء الاستيذان: 11 : 8 ـ 9.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *