كرم الحسن بن عليّ

كرم الحسن بن عليّ
قال ابن الصباغ: «الكرم والجود غريزة مغروسة فيه، واتصال صلاته للمعتقين نهج ما زال يسلكه ويقتفيه»(1).
روى ابن عساكر بأسناده عن شهاب بن عامر: «أن الحسن بن علي عليه السّلام قاسم الله تعالى ماله مرتين حتى تصدق بفرد نعله»(2).
وعن ابن سيرين: «أن الحسن بن علي كان يجيز الرجل الواحد بمائة ألف».
وروى عن سعيد بن عبد العزيز: «أن الحسن بن علي بن أبي طالب، سمع إلى جنبه رجلا يسأل أن يرزقه الله عشرة آلاف درهم فانصرف فبعث بها إليه»(3).
وقال: وروى عن الحسن بن علي أنه كان ماراً في بعض حيطان المدينة فرأى أسود بيده رغيف يأكل لقمة ويطعم الكلب لقمة إلى أن شاطره الرغيف، فقال له الحسن: ما حملك على أن شاطرته ولم تغابنه فيه بشيء؟ فقال: استحت عيناي من عينيه أن أغابنه، فقال له: غلام من أنت؟ قال: غلام أبان بن عثمان، فقال له: والحائط؟ قال: لأبان بن عثمان، فقال له الحسن: أقسمت عليك، لا برحت حتى أعود إليك فمر فاشترى الغلام والحائط وجاء إلى الغلام فقال: يا غلام قد اشتريتك، فقام قائماً، فقال: السمع والطاعة لله ولرسوله ولك يا مولاي، قال: وقد اشتريت الحائط ، وأنت حرّ لوجه الله، والحائط هبة مني إليك، قال: فقال الغلام: يا مولاي قد وهبت الحائط للذي وهبتني له»(4).
وروى عن سليمان بن أبي شيخ، حدثني أبي وصالح بن سليمان قالا: «قدم رجل المدينة وكان يبغض علياً فقطع به فلم يكن له زاد ولا راحلة، فشكى ذلك إلى بعض أهل المدينة، فقال له: عليك بحسن بن علي عليه السّلام فقال له الرجل: ما لقيت هذا إلاّ في حسن وأبي حسن فقيل له: فانك لا تجد خيراً (إلا) منه فأتاه فشكى إليه فأمر له بزاد وراحلة فقال الرجل: الله أعلم حيث يجعل رسالته، وقيل للحسن: أتاك رجل يبغضك ويبغض أباك فأمرت له بزاد وراحلة؟ قال: أفلا أشتري عرضي منه بزاد وراحلة»(5).
قال ابن الصباغ: «ومن ذلك أن رجلا جاء إليه عليه السّلام وسأله وشكا إليه حاله وفقره وقلة ذات يده بعد أن كان ذلك الرجل من الموسرين فقال له: يا هذا حق سؤالك يعظم لدي، ومعرفتي بما يجب لك يكثر علي، ويدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله، والكثير في ذات الله قليل، وما في ملكي وفاء لشكرك، فان قبلت الميسور رفعت عني مؤنة الإحتفال والإهتمام لما أتكلفه من واجبك فعلت، فقال الرجل: يا ابن رسول الله أقبل القليل وأشكر العطية وأعذر على المنع، فدعا الحسن عليه السّلام وكيله وجعل يحاسبه على نفقاته ومقبوضاته حتى استقصاها، فقال: هات الفاضل فأحضر خمسين ألف درهم، قال: فما فعلت في الخمسمائة دينار التي معك؟ فقال: هي عندي فقال عليه السّلام: فأحضرها فلما أحضرها دفع الدراهم والدنانير إليه واعتذر منه»(6).
وقال: «ومن ذلك ما رواه أبو الحسن المدائني قال: خرج الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر حجاجاً، فلما كانوا في بعض الطريق جاعوا وعطشوا وقد فاتتهم أثقالهم فنظروا إلى خباء فقصدوه فإذا فيه عجوز فقالوا: هل من شراب؟ فقالت: نعم فأنخوا بها وليس عندها إلاّ شويهة في كسر الخباء فقالت: إحتلبوها فاتذقوا لبنها ففعلوا ذلك وقالوا لها: هل من طعام؟ فقالت: هذا الشويهة، ما عندي غيرها اقسم عليكم بالله إلاّ ما ذبحها أحدكم بينما أهيىء لكم حطباً واشووها وكلوها، ففعلوا وقاموا حتى بردوا فلما ارتحلوا قالوا لها: نحن نفر من قريش نريد هذا الوجه فإذا رجعنا سالمين فأمّلي بنا فإنا صانعون إليك خيراً ثم ارتحلوا، فأقبل زوجها فأخبرته خبر القوم والشاة فغضب، وقال: ويحك تذبحين شاة لأقوام لا تعرفيهم؟ ثم تقولين: نفرٌ من قريش؟ ثم بعد وقت طويل ألجأتهم الحاجة واضطرتهم السنة إلى دخول المدينة فدخلاها يلتقطان البعر، فمرت العجوز في بعض السكك تلتقط البعر والحسن جالس على باب داره فبصر بها فعرفها فناداها وقال لها: يا أمة الله تعرفيني؟ فقالت: لا فقال: أنا أحد ضيوفك في المنزل الفلاني، ضيفك يوم كذا وسنة كذا، فقالت: بأبي أنت وأمي لست أعرفك، قال: فان لم تعرفيني فأنا أعرفك فأمر غلامه فاشترى لها من غنم الصدقة ألف شاة واعطاها ألف دينار وبعث بها مع غلامه إلى أخيه الحسين فعرفها وقال: بكم وصلك أخي الحسن؟ فأخبرته فأمر لها مثل ذلك ثم بعث معها غلامه إلى عبد الله بن جعفر، فقال: بكم وصلك الحسن واخوه؟ فقالت: وصلني كل واحد منهما بالف شاة والف دينار، فأمر لها بألفي شاة والفي دينار،… ثم رجعت إلى زوجها وهي من أغنى الناس»(7).
قال الديلمي: «سأل رجل الحسن بن علي عليه السّلام شيئاً فأعطاه خمسين ألف درهم وأعطى الحمال طيلسانه كراءً، وقال: تمام المروة إعطاء الأجرة لحمل الصدقة»(8).
قال ابن شهر آشوب: «ومن سخائه عليه السّلام ما روى أنه سأل الحسن ابن علي رجل فأعطاه خمسين ألف درهم وخمسمائة دينار، وقال: أئت بحمال يحمل لك فأتى بحمال فأعطاه طيلسانه فقال: هذا كرى الحمال. وجاءه بعض الأعراب فقال: أعطوه ما في الخزانة، فوجد فيها عشرون ألف درهم، فدفعها إلى الأعرابي، فقال الأعرابي: يا مولاي ألا تركتني أبوح بحاجتي وأنثر مدحتي، فأنشأ الحسن:
نحن أناس نوالنا خضل *** يرتع فيه الرجاء والأمل
تجود قبل السؤال أنفسنا *** خوفاً على ماء وجه من يسل
لو علم البحر فضل نائلنا *** لغاض من بعد فيضه خجل»(9)
وقال: قال أنس: «حيت جارية للحسن بن علي بطاقة ريحان فقال لها: أنت حرة لوجه الله فقالت له في ذلك، فقال: أدبنا الله تعالى فقال (وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّة فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا)(10) الآية وكان أحسن منها إعتاقها، وللحسن بن علي:
إن السخاء على العباد فريضة *** لله يقرأ في كتاب محكم
وعد العباد الأسخياء جنانه *** وأعد للبخلاء نار جهنم
من كان لا تندى يداه بنائل *** للراغبين فليس ذاك بمسلم»(11)
ذكر المبرد: «أن مروان بن الحكم قال يوماً: اني لمشغوف ببغلة الحسن، فقال له ابن أبي عتيق: ان دفعتها اليك، أتقضي لي ثلاثين حاجة؟ قال: نعم، قال: إذا اجتمع الناس عندك العشية، فاني آخذ في مآثر قريش، ثم أمسك عن الحسن، فلمني على ذلك، فلما أخذ الناس مجالسهم أخذ في مآثر قريش، فقال له مروان: ألا تذكر أولية أبي محمّد، وله في هذه ما ليس لأحد؟ فقال: انما كنا في ذكر الأشراف، ولو كنا في ذكر الأنبياء لقدمنا ما لأبي محمّد! فلما خرج الحسن ليركب تبعه ابن أبي عتيق فقال له الحسن، وتبسم: ألك حاجة؟ فقال: ذكرت البغلة، فنزل الحسن ودفعها إليه»(12).
قال الزمخشري: «أمر الحسن بن علي لرجل من جيرانه بألف درهم، فقال:جزاك الله خيراً يا ابن رسول الله، فقال: ما أراك ابقيت لنا من المكافأة شيئاً»(13).
قال السيد شهاب الدين أحمد: «وروي أن رجلا دفع إليه رقعةً في حاجة، فقال له قبل أن ينظر في رقعته حاجتك مقضية، فقيل له: يا ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم نظرت في رقعته ثم رددت الجواب على قدر ذلك فقال: أخشى أن يسألني الله تعالى عن ذلّ مقامه بين يدي حتى أقرأ رقعته»(14).

(1) الفصول المهمة ص157.
(2) ترجمة الإمام الحسن بن علي من تاريخ مدينة دمشق ص143. ورواه البدخشي في مفتاح النجاء ص184.
(3) المصدر ص147 وروى الأخير السيد شهاب الدين أحمد في توضيح الدلائل ص712.
(4) المصدر ص148 ورواه ابن كثير في البداية والنهاية ج8 ص38 مع فرق يسير.
(5) ترجمة الحسن من تاريخ دمشق ص149.
(6) الفصول المهمة ص157 ورواه الحضرمي في وسيلة المآل ص346 والسيد شهاب الدين أحمد.
(7) الفصول المهمة ص157 ورواه الحضرمي في وسيلة المآل ص347.
(8) إرشاد القلوب باب 43 ص225.
(9) المناقب ج4 ص16.
(10) سورة النساء: 86.
(11) المناقب ج4 ص18.
(12) الكامل ج2 ص237.
(13) ربيع الأبرار، باب الجزاء والمكافأة ص190 مخطوط.
(14) توضيح الدلائل ص711.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *